للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث: أنه ترك ذكره احتقارا، وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج وليست الفتنة بهم بدون الفتنة بالدجال والذي قبله، وتعقب بأن السؤال باق وهو ما الحكمة في ترك التنصيص عليه؟ وأجاب شيخنا الإمام البلقيني بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين فوجد كل من ذكر إنما هم ممن مضى وانقضى أمره، وأما من لم يجئ بعد فلم يذكر منهم أحدا، انتهى. وهذا ينتقض بيأجوج ومأجوج.

وقد وقع في تفسير البغوي (١) أن الدجال مذكور في القرآن في قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر: ٥٧] (٢) وأن المراد بالناس هنا الدجال، من إطلاق الكل على البعض، وهذا إن ثبت أحسن الأجوبة فيكون من جملة ما تكفل النبي صلى الله عليه وسلم ببيانه والعلم عند الله تعالى (٣) .

ومما سبق يتضح لنا أن خروج الدجال من أشراط الساعة الكبرى الثابتة، ومن الأخبار المتواترة التي يجب الإيمان بها، وفي ما مضى من الأدلة رد على من أنكر خروج الدجال بالكلية من الخوارج والجهمية والمعتزلة وغيرهم ممن سار على نهجهم قديما وحديثا، أو قال إن ما يأتي به الدجال خيالات لا حقيقة لها، فكل هؤلاء قد ردوا ما تواترت به الأحاديث الصحيحة من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم.

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في معرض رده على هؤلاء: " وقد تقدم حديث حذيفة وغيره أن ماءه نار وناره ماء بارد، وإنما ذلك في رأي العين، وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من العلماء كابن حزم، والطحاوي وغيرهما في أن الدجال ممخرق (٤) مموه لا حقيقة لما يبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه بل كلها خيالات عند هؤلاء ".


(١) تفسير البغوي: (٤ / ١٠١) .
(٢) سورة غافر، الآية: ٥٧.
(٣) فتح الباري (١٣ / ٩١، ٩٢) .
(٤) الممخرق: المشعوذ.

<<  <   >  >>