للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو الغير فيكون ذلك محرما وقال أبو محمد بن عطية (ت ٥٤٦ هـ) : " وقوله تعالى. . . {وَلَا تُسْرِفُوا} [الأنعام: ١٤١] معناه ولا تفرطوا، قال أهل التأويل: يريد ولا تسرفوا بأن تحرموا على أنفسكم ما لم يحرم الله عز وجل، قال ابن عباس: ليس في الحلال سرف، إنما السرف في ارتكاب المعاصي. قال القاضي أبو محمد (١) " يريد في الحلال القصد، واللفظ يقتضي النهي عن السرف مطلقا، فمن تلبس بفعل حرام فتأول تلبسه به حصل من المسرفين وتوجه النهي عليه، ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد وأوساط الأمور فحسن، وإن أفرط حتى دخل في الضرر، حصل أيضا من المسرفين وتوجه النهي عليه، مثل ذلك أن يفرط الإنسان في شراء ثياب ونحوها، ويستنفد في ذلك جل ماله، أو يعطي ماله أجمع ويكابد بعياله الفقر بعد ذلك ونحوه، فالله عز وجل لا يحب شيئا من هذا وقد نهت الشريعة عنه " (٢) .

ومن ورود مادة (سرف) بصيغة الفعل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧] (٣) .

وقد اختلف أهل التفسير في معنى الآية، فقيل: المراد بالإسراف أكل مال الغير بغير حق، وقيل: المراد عدم الإسراف في إنفاق المال والتصدق به، وقيل: عدم تجاوز الحد الوسط.

قال الطبري (ت ٣١٠ هـ) بعد أن حكى الأقوال: " والصواب من القول في ذلك قول من قال: الإسراف في النفقة الذي عناه الله في هذا الموضع ما جاوز الحد الذي أباحه الله لعباده إلى ما فوقه، والإقتار: ما قصر عما أمر الله به، والقوام بين ذلك.

وإنما قلنا: إن ذلك كذلك لأن المسرف والمقتر كذلك، ولو كان الإسراف


(١) هو المؤلف (ابن عطية) .
(٢) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ٧ / ٤٥ - ٤٦ تحقيق المجلس العلمي بفاس.
(٣) الفرقان: ٦٧.

<<  <   >  >>