للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإقتار في النفقة مرخصا فيهما ما كانا مذمومين، ولا كان المسرف ولا المقتر مذموما؛ لأن ما أذن الله في فعله فغير مستحق فاعله الذم. . . " (١) .

وهذا الرأي من الطبري حسن، ورحم الله مطرف بن عبد الله إذ يقول:

" خير هذه الأمور أوساطها، والحسنة بين السيئتين " (٢) .

وهذه الآية الكريمة كالآية الأخرى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: ٢٩] (٣) .

ومن ورود مادة (سرف) بصيغة المصدر قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: ٦] (٤) قال القرطبي (ت ٦٧١ هـ) : " قوله تعالى:. . {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: ٦] ليس يريد أن أكل مالهم من غير إسراف جائز فيكون له دليل خطاب، بل المراد ولا تأكلوا أموالهم فإنه إسراف فنهى الله سبحانه الأوصياء عن أكل أموال اليتامى بغير الواجب المباح لهم. . . . والإسراف في اللغة: الإفراط، مجاوزة الحد " (٥) .

هذا وبقية الآيات الأخرى التي وردت فيها مادة (سرف) جاءت في معانٍ أخرى غير الإسراف في الأموال، بل أكثرها جاء بمعنى الإسراف في الشرك والكفر والتكذيب.

كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: ١٢٧] (٦) .


(١) تفسير القرطبي ١٩ / ٣٨.
(٢) أخرجه الطبري -المرجع السابق.
(٣) الإسراء: ٢٩.
(٤) النساء: ٦.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٤٠.
(٦) طه: ١٢٧.

<<  <   >  >>