للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(١) أما السرف في الشر، سواء أكان في مجال المال والنفقة أم كان في غيرهما فهو شر، قليلا كان أو كثيرا، قال الحق سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣] (١) .

يقول الإمام الطبري (ت ٣١٠ هـ) : " عنى - تعالى ذكرُه - بذلك جميع من أسرف على نفسه من أهل الإيمان والشرك؛ لأن الله عم بقوله. . . {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: ٥٣] جميع المسرفين فلم يخص به مسرفا دون مسرف " (٢) .

والشر هنا كلمة جامعة لكل الخصال المذمومة، سواء في مجال العقائد أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق والسلوك أو غير ذلك، فمن باشر شيئا منها فهو مسرف على نفسه.

وعلى هذا: فالشرك والكفر والإلحاد والزندقة والنفاق إسراف، وكبائر الذنوب من قتل النفس والزنا والربا والسرقة والكذب والغش ونحو ذلك: كله إسراف.

ومثله ترك الواجبات: كالصلاة والزكاة والصيام والحج وبر الوالدين وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكل ذلك إسراف.

وهكذا الصغائر هي من الإسراف أيضا، ويلحق بها المكروهات.

فإذا حددنا دائرة الشر هنا في إطار النفقة وشئون المال وفقا لدائرة البحث، فإنه يدخل فيها عدة صور منها: ترك الواجبات: كالزكاة، والنفقة الواجبة، على القول بأن التقصير في فعل الأمر إسراف كارتكاب النهي، ومنها فعل المحظورات عن طريق الإسراف: كالإنفاق في معصية الله كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: ٦٧] من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف (٣) .


(١) الزمر: ٥٣.
(٢) تفسير القرطبي ٢٤ / ١٦ دار الفكر.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٣ / ٧٢.

<<  <   >  >>