للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عطية (ت ٥٤٢ هـ) عند هذه الآية: " الخطاب لجميع الناس، والمراد أن النوع بجملته ممكن في الأرض، والمعايش جمع معيشة، وهي لفظة تعم المأكول الذي يعايش به، والتحرف الذي يؤدي إليه " (١) .

وفي منظومة الاعتدال والوسطية في الإسلام يأتي الأكل والشرب في مقدمتها.

يقول الحق سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١] (٢) .

قال أبو بكر الجصاص (ت ٣٧٠ هـ) : " ظاهر الآية يوجب الأكل والشرب من غير إسراف، وقد أريد به الإباحة في بعض الأحوال، والإيجاب في بعضها، فالحال التي يجب فيها الأكل والشرب هي الحال التي يخاف أن يلحقه ضرر كأن يكون ترك الأكل والشرب يتلف نفسه أو بعض أعضائه أو يضعفه عن أداء الواجبات، فواجب عليه في هذه الحال أن يأكل ما يزول معه خوف الضرر، والحال التي هما مباحان فيها هي الحال التي لا يخاف فيها ضررا بتركهما، وظاهره يقتضي جواز أكل سائر المأكولات وشرب سائر الأشربة مما لا يحظره دليل بعد أن لا يكون مسرفا فيما يأتيه من ذلك؛ لأنه أطلق الأكل والشرب على شريطة أن لا يكون مسرفا فيهما، والإسراف مجاوزة حد الاستواء، فتارة يكون بمجاوزة الحلال إلى الحرام وتارة يكون بمجاوزة الحد في الإنفاق فيكون ممن قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: ٢٧] (٣) والإسراف وضده من الإقتار مذمومان، والاستواء هو التوسط، ولذلك قيل: دين الله بين المقصر والغالي. . . . . وقد يكون الإسراف في الأكل أن يأكل فوق الشبع حتى يؤديه إلى الضرر فذلك محرم أيضا " (٤) .


(١) المحرر الوجيز ٧ / ١٥.
(٢) الأعراف: ٣١.
(٣) الإسراء: ٢٧.
(٤) أحكام القرآن للجصاص ٣ / ٣٣ دار الكتاب العربي - بيروت، بتصرف يسير.

<<  <   >  >>