قلت: وهذا الكلام من الإمام الجصاص تفصيل ما منه بد سواء من حيث حكم الأكل والشرب في الأصل، وأنه قد يكون واجبا وقد يكون مباحا.
أو من حيث حكم الإسراف فيهما، وأنه قد يكون أكلا للحرام وقد يكون بالإفراط في الإنفاق، وقد يكون بأكل ما زاد عن الحاجة فما أحسنه من تفصيل!! .
فلنتوقف عند أنواع الإسراف تلك.
أما الإسراف بأكل الحرام وشربه، فهذا سرف وطغيان وشهوانية حيوانية لا تنضبط بعقل ولا شرع.
فأكل الربا مثلا والميسر والرشوة، والغش التجاري والتحايل على أموال الغير، كل ذلك أكل لأموال الناس بالباطل وهو إسراف دون شك.
وكذلك أكل الخنزير والميتة وسباع البهائم والطيور والخمر ونحو ذلك كله إسراف وتجاوز لحدود الله.
واغتصاب أموال الغير وأملاكهم والتعدي عليها بأي لون من ألوان التعدي والاحتيالات كله إسراف.
وصدق الله العظيم إذ يقول:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: ١٨٨](١) .
وأما الإسراف في الإنفاق فهو كما أسلفنا إما أن يكون في معصية أو طاعة أو مباح، ووقفنا على شيء من تفصيلها.
لكن تهمنا الإشارة هنا إلى ما يتعلق بالأكل والشرب، إذ مما يلحظ أن كثيرا من الناس يسرف في الإنفاق في شراء المواد الغذائية بطريقة غير معقولة ولا مقبولة، مما لا يحتاجه ولا يمكن أن يستهلكه على المدى البعيد، الأمر الذي يعرضها للفساد، أو يتسبب في حصول الملل منها وعزوف النفس، فيتخلص