كأن عزيف الجن بين قسيّهم ... إذا ضُبحت بالمحصدات الجبائر
ففعلت فيهم حمير الجميل، وشدخت دماءها، وجُمّلوا، وأسنى لهم العطاء والحباء، ففي ذلك يقول مالك بن عمرو الزبيدي في كلمة له:
فمن مثل زرعة في العالمين ... لمن عضّه الدهر أو ضمّهْ
تمكن في الصيد من خنفر ... ومن بيت حمير في الصتمهْ
وقد تقدم ذكر ذاك على كماله في الكتاب السادس.
فأولد الأسفع بن الأوبر ثمامة بن الأسفع، وقد رأس، وكان منيعاً وقتل بعض الأقيال فأولد ثمامة بن الأسفع قيساً ويكنى أبا المنتصر وقد رأس، وهو مجير الأعن ملك من ملوك كندة من بني الكيشم ويقال الكيشوم نبز أيضاً واسمه يزيد بن عمرو بن امرىء القيس بن عمرو بن تملك وهي أمه، وفيه يقول الأعنّ:
أراح خليلك أم يبتكر ... أم القلب للشوق لا يصطبر
فسيري ولا ترهبي ما حييت ... إذا عاش قيس أبو المنتصر
إذا ضيع الناس جيرانهم ... فجارك يطلى عليه الصبر
له أسرة من خيار الفصيح ... وللجار فيهم وفاء وبرّ
مطاعيم حين يعزّ القتا ... ر وهم في الحوادث قوم صبر
وقيس القائل:
لقد غدوت أمام الحي تحملني ... قوداء من أعوجيات محاضير
خيفانة فرط تقريبها المرطى ... كأن هاديها قادم على بير
ومذكيات فحال في رحائلها ... من أرحب الشمّ فرسان مساعير
والحارث بن ثمامة قاتل الحسا عبد لبعض ملوك حمير، وكان خطيراً ومالك بن ثمامة ويزيد بن ثمامة الأصم فارس همدان ويكنى أبا ثمامة وشرح بن ثمامة وعبد الله بن ثمامة.
وقيس ويزيد ومالك وشرح هم أسافعة همدان، فدرج شرح.
ويروى أن عبلة عنتر العبسي قالت له: هل بقي في قلبك يا أبا المغلس إلى لقاء فارس من فرسان العرب واختباره أرب؟ قال: نعم، يزيد بن ثمامة بن الأسفع. فبينما هما في ذكره إذ أقبلت خيل، فوجه فارساً يأتيه بخبرها، فسألهم الفارس: من أنتم؟ ولمن هذه الخيل؟ فقالوا: ليزيد بن الأسفع. فرجع الفارس فأعلم عنترة، فقالت له عبلة: ما أراك إلا قد أتاك ما أردت. فقام إلى فرسه يرتجز:
يا صاحبي شدّ حزام الأبجر ... إني إذا يدنو الردى لم أضجر
وركب فيمن حضره في الصرم من بني عبس، فطعن يزيد عنترة في كفه فأطار رمحه، وحمل عليه عنترة فاعتنقه، فوقعا ويزيد على صدره، وولت بنو عبس فخلى عنه وقال: إليك، فإنما كنا على طريق غيركم. فلما انصرف عنترة قالت له عبلة: كيف رأيت يزيد كأنها تعيّره؟ فقال:
ألا يا عبل إن القوم ولوا ... ولاقاني جحاجحة الكرام
لقيت كريمهم فاختل كفي ... وأضرعه بجعجاع الصادم
فألقِيَ ساقطاً وصددت عنه ... أبادر كالقراطي الحسام
ويزيد القائل:
أعاذل أنه مال طريف ... أحبّ إليّ من مال تلاد
أعاذل إنما أفنى شبابي ... وأقرح عاتقي حمل النجاد
وهو القائل:
سائل مراداً ينبيك عالمها ... أا نعل القنا وننهلها
ونخمد الحرب حين يضرمها ... أهل الوغى تارة ونشعلها
فولد مالك شرحاً فارس الجرادة ولقي عامر بن الطفيل في بعض أيامهم وأيام بني عامر فطعن عامراً فأذراه عن فرسه، واشتبكت عليه فرسان بني عامر وفي ذلك يقول عامر:
أصبح شرح قد شفى فؤاده ... زوى إليّ الرمح ثم عاده
أذهب إليك فارس الجراده
وأما عبد الله بن ثمامة بن الأسفع فقتلته زبيد، فغزتها أرحب فأذرعت فيهم القتل، فقال عمرو بن معدي كرب:
عقرتم خيلنا وقتلتمونا ... بشيخ كان أزمع بانتحار
وولد كعب بن علوي مبعوثاً والحارث ونوفاً، فولد مبعوث ثماماً، فولد ثمام قيساً، فولد قيس يزيد بن قيس كان رئيساً عظيم الحصاة، وفيه يقول الشاعر:
معاوي إلا تسرع السير نحونا ... نبايع علياً أو يزيد اليمانيا
وولاه عليّ عليه السلام شرطته، ثم ولاه بعد منصرفه من النهروان أصبهان.