منكرات، ولا يميز بفكره أنها معاصي لما أحدث تكرارها من تأليف القلب لها.
ولقد حكى أبو طالب المكيّ عن بعضهم أنَّه مرَّ يومًا في السوق فرأى بدعة فبال الدم من شدة إنكاره لها بقلبه، وتغير مزاجه لرؤيتها، فلما كان اليوم الثاني مر فرآها، / فبال دمًا صافيًا، فلما كان اليوم الثالث مرَّ بها فرآها فبال بوله المعتاد. لأن حدة الإنكار التي أثرت في البدن ذلك الأثر ذهبت، فعاد المزاج إلى حالة الأولى، وصارت البدعة كأنه مألوفة عنده معروفة، وهذا أمر مستقر، لا يمكن جحوده، والله أعلم.
ولهذا كان الإمام العارف أبو الحسن الزيات –رحمه الله- يقول: والله لا أبالي بكثرة المنكرات والبدع، وإنما أخاف من تأنيس القلب بها، لأن الأشياء إذا توالت مباشرتها أنست بها النفوس، وإذا أنست النفوس بشيء قلَّ أن تتأثر به.
قال مالك بن دينار –رحمه الله-: كان حبر من أحبار بني إسرائيل يغشى منزله الرجال والنساء يعظهم ويذكرهم بأيام الله عز وجل، فرأى بعض بنيه يومًا وقد غمر بعض النساء فقال مهلًا يا بني، قال: فسقط من سريره وانقطع نخاعه، وأسقطت امرأته، وقتل بنوه في الحين، فأوحى الله إلى نبي زمانه أن أخبر فلانًا الحبر أني لا أخرج منن صلبك صدِّيقًا أبدًا ما كان غضبك لي إلا أن قلت مهلًا يا بني!
فانظر –رحمك الله- كيف عوقب هذا الحبر في نفسه وأهله وبنيه، لأنه كان قادرًا على الإنكار باليد، وإظهار الغضب والغيرة لدين الله تعالى، فلما عدل عن ذلك إلى الإنكار باللين باللسان، عوقب بما تقدم، وتعجيل العقوبة بالذنب كان سنة الله في بني إسرائيل غالبًا.