ويقول شيخ الإسلام في إخفاء الدعاء فوائد عديدة (١):
أحدهما: أنه أعظم إيمانا لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي.
ثانيهما: أنه أعظم في الأدب والتعظيم لأن الملوك لا تُرفع الأصوات عندهم ومن رفع صوته لديهم مقتوه، ولله المثل الأعلى فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت.
وثالثهما: أنه أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده فإن الخاشع الذليل إنما يسأل مسألة مسكين ذليل قد أنكر قلبه وذلت جوارحه، وخشع صوته حتى أنه ليكاد تبلغ ذلته وسكينته وضراعته إلى أن ينكسر لسانه فلا يطاوعه بالنطق وقلبه يسأل طالبا مبتهلا ولسانه لشدة ذلته ساكتا وهذا الحال لا تأتي مع رفع الصوت بالدعاء أصلا.
ورابعها: أنه أبلغ في الإخلاص.
وخامسها: أنه أبلغ في جمعية القلب على الذلة في الدعاء فإن رفع الصوت يفرقه فكلما خفض صوته كان أبلغ في تجريد همته وقصده للمدعو سبحانه.
سادسها: وهو من النكت البديعة جدًا. أنه دال على قرب صاحبه للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله عز وجل:{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} فلما استحضر القلب قرب الله عز وجل وأنه أقرب إليه من كل قريب أخفى دعاءه ما أمكنه وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المعنى بعينه بقوله في الحديث الصحيح لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير
وهم معه في السفر فقال: «أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم