ولا غائبا، إنكم تدعون سمعيا قريبا أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (١) وقد قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: ١٨٦] وهذا القرب من الداعي هو قرب خاص ليس قربا عاما من كل أحد فهو قريب من داعيه وقريب من عابديه وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
وقوله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}[الأعراف: ٥٥] فيه الإرشاد والإعلام بهذا القرب.
وسابعها: إنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال فإن اللسان لا يمل والجوارح لا تتعب بخلاف ما إذا رفع صوته فإنه قد يمل اللسان وتضعف قواه، وهذا نظير من يقرأ ويكرر فإن صوته لا يطول له، بخلاف من خفض صوته.
وثامنها: أن إخفاء الدعاء أبعد له من القواطع والمشوشات فإن الداعي إذا أخفى دعاءه لم يدر به أحد فلا يحصل على هذا تشويش ولا غيره وإذا جهر به فرطت له الأرواح البشرية ولابد وما نعته وعارضته ولو لم يكن إلا أن تعلقها به يفرغ عليه همته، فيضعف أثر الدعاء ومن له تجربة يعرف هذا، فإذا أسر الدعاء أمن من هذه المفسدة.
وتاسعها: أن أعظم النعمة الإقبال والتعبد ولكل نعمة حاسد على قدرها دقت أو جلت ولا نعمة أعظم من هذه النعمة فإن أنفس الحاسدين متعلقة بها وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد وقد قال يعقوب عليه السلام لابنه يوسف عليه السلام: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}[يوسف: ٥] وكم من صاحب قلب وجميعه