للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والتفريق) للخطيب البغدادي. ومما يجدر التنبيه عليه: أن هذا النوع من التدليس لا علاقة له بالاتصال والانقطاع، فحقه أن يذكر في كتب المصطلح في أبواب أسماء الرواة وكناهم وألقابهم، ولكن جرت عادة المصنفين في هذا الفن بذكر أنواع التدليس مجتمعة في موضوع الاتصال والانقطاع غالباً؛ ولذلك - أو لغيره - يذكرون هذا النوع في أبوابها. ... ومن أهم أضرار تدليس الأسماء، ما نبه عليه ابن دقيق العيد رحمه الله: فقال: (فيه -أي تدليس اسم الشيخ الثقة- مفسدة من جهة أنه قد يخفى فيصير الراوي المدلس مجهولاً لا يُعرف فيسقط العمل بالحديث مع كونه عدلاً في نفس الأمر) (١). ... وعقب عليه الحافظ ابن حجر في (النكت) فقال:" وقد نازعته في كونه يصير مجهولاً عند الجميع، لكن من مفسدته أن يوافق ما يدلَّس به شهرة راو ضعيف يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه، فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفاً وهو في نفس الأمر صحيح؛ وعكس هذا في حق من يدلس الضعيف ليخفي أمره فينتقل عن رتبة من يُرَدُّ خبره مطلقاً إلى رتبة من يتوقف فيه. فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه فمفسدته أشد؛ كما وقع لعطية العوفي في تكنيته محمد بن السائب الكلبي أبا سعيد، فكان إذا حدث عنه يقول: حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري الصحابي رضي الله عنه لأن عطية كان لقيه وروى عنه؛ وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ وأما ما عدا ذلك من تدليس الشيوخ، فليس فيه مفسدة تتعلق بصحة الإسناد وسقمه، بل فيه مفسدة دينية فيما إذا كان مراد المدلس إيهام تكثير الشيوخ لما فيه من التشبع ونظيره في تدليس الإسناد أن يوهم العلو وهو عنده بنزول" (٢). ... ومن أهم أسباب تدليس الشيوخ: أن يكون الشيخ المدلَّس اسمُه: مجروحاً أو مجهولاً أو صغيراً أو قريباً أو تكون أحاديثه مشهورة متداولة قد سمعها أكثر الحاضرين في مجلس المدلس، أو مجلس غيرِه، أو يكون المدلس مكثراً عن ذلك الراوي فيغير تسميته دفعاً للتكرار. ... وبعبارة أخرى: سبب تدليس الإسناد إرادة إخفاء حقيقة الراوي وإيهام أن الحديث لراو آخر غيره؛ إما بسبب صغره أو قربه أو رغبة الناس عن حديثه أو كراهته أو الخوف من ذكره عند من يعاديه أو كذبه أو تركه أو ضعفه، وذلك أن قوماً سمعوا الحديث من ضعفاء لهم أسماء أو كنى مشهورة عرفوا بها فلو صرحوا بأسمائهم المشهورة وكناهم المعلومة لم يُشتغَل بحديثهم فأتوا


(١) نقله الحافظ ابن حجر في النكت ص٢٥١،والصنعاني في توضيح الأفكار ١/ ٣٧٢.
(٢) النكت على ابن الصلاح ص ٢٥١.

<<  <   >  >>