للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنصف المعاتَب؛ وتخيّر له الوقت والأسلوب المناسب.

لا أدري لم يحتفظ كثير من الناس بمشاعره تجاه من يحب في نفسه، وقد نبهنا الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم كتمان شيء من ذلك الشعور، فقال: "إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره". (أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح).

هل اغتروا بمن قال:

لا تظهرنّ مودة لحبيب ... فترى بعينك منه كل عجيب

أظهرت يوماً للحبيب مودتي ... فأخذت من هجرانه بنصيبي

مع أن ذلك محمول على الحب الذي تختلجه الشُبَه، كحُبّ كُثير عزّة، ومجنون ليلى، وقيس لُبنى (١)، ومن شاكلهم ونحا نحوهم، وهو بعيد كل البعد عما نحن بصدد حراسته والذود عنه، الحبُّ النّامي في مندوحَةِ الشّرف، المُحتَمَلُ مآلهُ إلى الغُرف، إذْ لا يفيده الكتمان، ولا يصونه الامتنان. (٢)


(١) شعراء التصقت أسماءهم بعشيقاتهم لما أفرطوا في التعريض بحبهن في قصائدهم، ومنهم أيضاً: عروة بن حزام وصاحبته عفراء، والصمّة القشيري وصاحبته ريّا، وذو الرمة وصاحبته ميّة، وجميل بن معمر وصاحبته بثينة، كلهم من شعراء العصر الأموي، عدا عروة بن حزام - توفي سنة ٣٠هـ.
(٢) والشيء بالشيء يذكر، فإن معالجة العتاب في هذا النوع من الحب أمنية سحيقة، كيف لا وقد صار العتاب فيهم علامةً لصيقة!؟
علامة ما بين المحبين في الهوى ... عتابهم في كلّ حقّ وباطلِ
وأثبت أحدهم هذا المعنى فقال:
تواقف عاشقان على ارتقاب ... أرادا الوصل من بعد اجتنابِ
فلا هذا يملّ عتاب هذا ... ولا هذا يملّ من الجواب!

<<  <   >  >>