وإذا كان الصفح عن الزلات من أفضل خصال الحمد - فأحق الناس بأن تتغاضى عن هفواتهم رجالٌ عرفت منهم المودة، ولم يقم لديك شاهد على أنهم صرفوا قلوبهم عنها.
[معاملة الأصدقاء بالمثل]
يذهب بعض الناس إلى أن يسيروا مع الأصدقاء على مثل سيرتهم معهم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، وأشار إلى هذا المذهب أبو القاسم الحريري في مقاماته بمثل قوله:"بل نتوازن بالمقال وزن المثقال، ونتحاذى في الفعال حذو النعال".
والقول الفصل في هذا أنَّ ما يصدر من الصديق إن كان من قبيل العثرة التي تقع في حال غفلة، أو خطأ في اجتهاد الرأي - فذلك موضع الصفح والتجاوز، ولا ينبغي أن يكون له في نقض الصداقة أثر كثير أو قليل.
أما إن كان عن زهد في الصحبة، وانصرافٍ عن الصداقة، فلك أن تزهد في صحبته، وتقطع النظر عن صداقته.
وهذا موضع الاستشهاد بمثل قول الكُميت:
وما أنا بالنِّكس الدنيء ولا الذي ... إذا صدَّ عني ذو المودةِ يقرب
ولكنه إن دام دمت وإن يكن ... له مذهب عني فلي فيه مذهب
ألا إن خير الودِّ ودٌّ تَطَوَّعت ... له النفس لا ودٌّ أتى وهو مُتْعَب