وكأنّي أنظر إليه بعد ذلك وقد جار عليه الزّمان الجّائر، ودارت عليه الدّوائر، وأمسى جيشه الّذي قهر الأرض وهو مقهور كآنية الزّجاج قابلت غيرها فالكلّ كاسرٌ مكسور، وانتهى به السّير، من خير إلى ضير، كما يسير الهلال بسيره بدراً ويمحق به تارةً أخرى وزال مُلْكَه الضّخم، فغاب مغيب الشّمس في أفق من دم، وأصبح ولا دولة، ولا بأسٌ ولا صولة، كصنم الجّاهلية في الملّة الإسلاميّة، كان بالأمس ربّاً فأصبح حجراً صلباً وإذا هو معتقل في جزيرةٍ قاصية، وصخرةٍ عارية، كأنّه قسور نُقِلَ من بيداء، أو غيلٍ قصباء إلى قيودٍ وأصفاد، وبيتٍ من صنعةِ الحدّاد، فهو فيه يدور ويحور تارةً يبسم ويعجب، من دهر يكسر
النّبع بالغرب، ويصيد الصّقر بالخرب، ومرةً يطرق ويتفكّر: ويفتح عينه فيرى كثيراً ويغلقها فيرى أكثر وحيناً يُحني الرأس من اليأس.