للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحيفته من الذنوب، ونَقَّى عِرْضَه عن العيوب، وخلصت نيَّته لإرضاء علَّام الغيوب، ولستُ هنالك ولا قريبًا من ذلك، ونفسي تعلِّلني بأنَّها ستصلح أو تقارب، وأنَّ الأحوال ربَّما تحول إلى ما يناسب، أو أنَّه سيقوم بهذا الفرض من يكون أوسع مني علمًا، وأقوى هِمَّة وعزمًا، فيبلغ فيه الغاية، وتحصل به الكفاية، والأيام تمرُّ، والأَجَل يدنو، والأمر لا يزداد إلَّا شِدَّة.

وقد تدبَّرتُ أنواع الفساد فوجدتُ عامَّتها نَشَأَت عن إماتة السُّنن، أو إقامة البدع، ووجدتُ أكثر المسلمين يبدو منهم الحرص على اتباع السُّنن واجتناب البدع، ولكن التبس عليهم الأمر، فزعموا في كثير من السنن أنَّه بدعة، وفي كثير من البدع أنَّه سُنة.

وكلَّما قام عالم فقال: هذا سنة، أو هذا بدعة عارَضَه عشرات، أو مئات من الرؤساء في الدِّين، الذين يزعم العامة أنَّهم علماء، فردُّوا يده في فِيهِ، وبالغوا في تضليله والطَّعن فيه، وأفتوا بوجوب قتله أو حبسه أو هجرانه، وشمَّروا للإضرار به وبأهله وإخوانه، وساعدهم ثلاثة من العلماء، عالم غالٍ، وعالم مفتون بالدنيا، وعالم قاصر في معرفة السنة وإن كان متبحِّرًا في غيرها.

فإذا سمع بذلك من بقي من أفراد العلماء الصادقين كان نصرهم لأخيهم أن يحرقوه باللَّوم والتَّعنيف، قائلين: قد كان يَسَعُك ما وسع غيرك من السكوت!

فرأيتُ من أهم الواجبات إيضاح الفرق بين السنة والبدعة، وتعيين الحدود الفاصلة بينهما، علمًا بأنَّه إذا يسَّر الله تعالى ذلك على طريق واضح زال الالتباس من حيث الجملة، وكذا من حيث التفصيل في حقِّ من تكون له معرفة صالحة بالكتاب والسنة.

<<  <   >  >>