للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا زال الالتباس عن هؤلاء رُجِيَ أن يزول الالتباس عن غيرهم؛ إذ لا يبقى إلَّا دعاة الضَّلالة والعامة.

فأمَّا دعاة الضلالة فإنهم وإن زال الالتباس عنهم لا يخضعون للحق، ولا يرجعون إليه، ولا حرج في ذلك، فقد كان فريق من هؤلاء موجودين في حياة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.

وأمَّا العامة فإنَّما مَثَلُهم مَثَل قَلْعةٍ بابُها من حديد، وسائرها من حشيش، فإذا قام فيهم دعاةٌ حكماء صابرون مصابرون أوْشَكَ أن ينكسر الباب، فيتم الفتح. والتاريخ شاهدُ عدلٍ أنَّه لم يكد يقوم في العامة داعٍ بحق أو باطل إلَّا تنمَّروا عليه، وتسارعوا في إيذائه، ولكنَّه إذا كان ذا حكمة وصبر، أو دهاء ومكر، لم يكن بأسرع من أن يصطادهم واحدًا واحدًا، وجماعة جماعة، فلم يلبث أن يصبح معه طائفة قوية يمتنع بهم عمَّن خالفه، ويتمكَّن من إعلان دعوته. ولعلَّه إذا اتَّضح السبيل لأهل العلم أن لا يخلو بلد من واحد منهم أو أكثر، يكون له حظٌّ من الحكمة والصبر، فيهتدي به نفر من الناس، والحق إذا استجيب له بمنزلة المصباح إذا أُسْرِج فإنَّه يضيء ما حوله، ثم يُقْتَبَس منه لعدَّة مصابيح تضيء مثله. وهكذا.

وإذا رأيتَ من الهِلال نموَّهُ ... أيْقَنْتَ أنْ سيصير بدرًا كاملًا (١)

هذا، وقد وقفتُ على عِدَّة مؤلفات في الزَّجر عن البِدَع، منها كتاب


(١) البيت لأبي تمَّام، وهو في "ديوانه":
إنَّ الهِلالَ إذا رأيتَ نُمُوَّهُ ... أيقَنْتَ أن سيكون بدرًا كاملا
يُنظَر: "شرح الصُّولي" (٣/ ٣٣٤)، و"شرح الخطيب التبريزي" (٤/ ١١٥).

<<  <   >  >>