الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
كما عُلم بأنه سيكون ثَمَّ دروس تتعلق ببعض المتون، وهي خاصة بعلوم الآلة من النحو والصرف والبيان، ويلحقه شيء من المنطق _إن شاء الله تعالى_ في هذه الأسابيع الأربعة المتتالية، وكل أسبوع نأخذ فيه متنا، ويكون فيه شرح على جهة التقعيد والتأصيل، وسنسعى _بإذن الله تعالى_ أن يكون ثَمَّ شرح مختصر يليق بطالب العلم؛ لكن على جهة التقعيد والتأصيل كما ذكرنا، وليس على ذكر المعاني فحسب؛ لأن العلم إنما يؤخذ بالقواعد، ويؤخذ بالأصول، لا بالمعاني التي تكون على جهة الإجمال.
ومثل هذه الدورات التي تقام في مثل هذه الإجازات الصيفية، المقصود بها أن يَعمُرَ طالب العلم وقته بالعلم الشرعي، وليس المراد اختصار العلم كما قد يظنه طلاب العلم، هذا غلط في الفهم؛ إذ اختصار العلم يؤدي إلى تفويت العلم؛ لأن ثَمَّ خلل يقع فيه في الاختصار، المسائل لابدّ من إيضاحها على جهة التفصيل فيما يحتاج إلى تفصيل، وبعض المسائل لا تُفهم إلّا بذكر قيودها وشروطها، حينئذ لابدّ من ذكر ما يتعلق بالمسألة من جهة المنطوق والمفهوم، وأما الاختصار قد يكون مخلّا، وإذا وقع الخلل حينئذ لا يمكن أن يقال بأن طالب العلم قد درس هذا الفن، أو درس هذا الكتاب؛ لأن أهل العلم لهم مغزى في اختصار العلم في هذه المختصرات، وهي وسيلة إلى ضبط العلم؛ بمعنى أنه يقلّل لك الألفاظ التي تحمل المعاني الكثيرة، ولذلك يعرّفون الاختصار والمختصر بأنه:"ذو اللّفظ القليل والمعنى الكثير"، يعني ما قلّت ألفاظه وكثرت معانيه، فإذا أخذ اللّفظ القليل مع المعنى القليل حينئذ لم يأتِ على سننِ أهل العلم.
هل المختصرات كلها في العلوم؟ قاعدة فيها عند أهل العلم أن الطالب لا يمكن أن يحصّل العلم الشرعي إلّا بتحصيل هذه المتون، فهي وسيلة إلى ضبطه، وهي وسيلة إلى فهم العلم كلّه، سواء كان علوم آلة أو كانت علوم مقاصد، لا يمكن أن يصل إلى العلم وتحقيق العلم وضبط العلم من حيث التأصيل والتقعيد إلّا بالعناية بهذه المتون على الطريقة التي عناها أهل العلم، ولذلك قالوا المختصرات ثم عرّفوا المختصر بأنه:"اللّفظ القليل ذو المعنى الكثير"، حينئذ لا يمكن أن يؤخذ اللّفظ القليل بالمعنى القليل، بل لابدّ أن يكون ماذا؟ أن يكون الشرح موازيا للّفظ أو لهذا المصطلح عند أهل العلم، وإذا تقرر ذلك حينئذ نعلم أن الغاية أو الأصل في وضع مثل هذه الدورات ليس الاختصار المخلّ لشرح العلم أو لشرح الكتاب، وإنما المراد به إعمار وقت طالب العلم، حيث يقرأ في الصباح ويقرأ في المساء على نهج أهل العلم القدماء، الذين كانوا يعمرون أوقاتهم بالعلم كلّه صباحا ومساء، ولا يعطى العلم فضول الأوقات، كما قد يظنه من يظن بأن العلم إذا أعطي ساعة أو ساعتين في اليوم حينئذ كفاه وقد حصّل مهما حصّل.