وربما يشعر له صاحب الدقيق فيصيح به ويثقل نفسه بالوزن والعدد ولا يجيبه إلا بعد أمد بعيد فإذا عرفه أنه دفع ربع دقيق لمن لم يدفع له ثمنه غالطه وقال له: قد كان دفع لك الثمن ووزنته عليه، أليس الرجل الذي صفته كذا ولباسه كذا، ويوافقه شريكه على ذلك ويشهد له بالدفع فيخسر المسكين وهو على حق.
وإن كان صاحب الدقيق من المحتكمين الذين قد خبروا الأمور وعرفوا نقائض أولئك الوزانين عرفهم بالسوم والأصداق والتحفظ في الطحن حتى لم يوجدهم سبيلا إلى قصدهم منه لم تكن حيلتهم معه إلا أن يدسوا له من يغالطه بالمدلس ويغلطه في العدد ولا يمكنه مع كيسه أن ينفصل عنهم سالما منهم، ولقد اجتمعت يوما مع قوم من التجار المسافرين وتحدثنا مليا إلى أن قال أحدهم: أخبركم بما اتفق لي مع رجل يبيع التين الإشبيلي المعروف بالشعري وذلك أني كنت مع رجلين من الأصحاب ومررنا برجل يبيع التين المذكور وبين يديه عدل وعليه ثلاثة من التين في غاية من القد ونهاية من اسوداد اللون وبدع من التخطيط الأبيض فاستطرفنا ذلك النوع واعجب كل واحد منا به وافترقنا عنه وصار كل واحد منا إليه وهو يخفي مسيره عن صاحبه ليحوز تلك الثلاث التي كانت على العدد واشترى كل واحد منا التين وبايعه بوزن تلك الثلاث فلما وصل كل واحد منا إلى بيته من الخان الذي كنا فيه أفرغ التين من وعائه ولم يجد تلك المقصودة فيه واختبر مشتراه بالوزن فوجده صحيحا فعجب مما اتفق له وأخبر صاحبيه بذلك فوجدهما على مثل ذلك، ولما سرنا باسطوان الخان المذكور على عادة المسافرين قال أحدنا: اتفق لي اليوم أيها التجار كيت وكيت ولقد رأيته وضعها في الوزانة ووزنها ثم أفرغ الوزانة في الوعاء الذي دفعت له، فلما سمع الحاضرون ما وصف لهم ضحك