هؤلاء قوم شغلهم أوسع الأشغال، وأمورهم مختلفة الأحوال، والكشف عنهم صعب المرام، وغش مفسديهم لا يكاد يحصر ولا يرام، وذلك أن الغش عندهم إذا لم يزد على الثلث لم يستطع أحد إخراجه ولا الوقوف على الصحة فيه ويتساوي الناس في معرفة ظاهر الأشياء بدخول أكثرهم فيها وليسوا من أهلها ولا من ذوي الخبرة بها، وعدم الناظرون عليها والحارس نظرهم لها، فصار المفسدون لا يلوون على أحد، ولا يقفون في سبيلهم على حد.
فيغشون الحناء بقشور الرمان وسقوطه مع ورق الخبازي وبأوراق السدر بأوراق القنب، والفلفل بالكرسنة المدبرة، والزنجبيل بالموجود شبيها له بجبال الأندلس، وكذلك السنبل والقرفة، والمصطكي بصمغ يجمع في شجر الضرو، وهذه الأشياء يوجد لها بالجبال المذكورة أشباه من غير رائحة لاختلاف هواء مواضعها فيصرفها المفسدون في التدليس بها.
ويغشون الزعفران بشعر العصفر ونضيج لحم صدر الدجاج وبالزيت ودقيق الدرمك المدبر والكركم وأصول الشجرة المعروفة بالمليلس وبرجل الحمامة والأرغيس والزعفران الرومي وسحيقه والسكر وبمطبوخ البقم ودقيق الدرمك المصبوغ بماء الزعفران وسحيق السكر ويكثرونه باسحج الحلفاء المنقوعة في الريحان العتيق المذاب فيه الفلفل والكركم والزعفران ويفرش بعد ذلك للظل ويتبين الغش فيه من وسط الرغيف إذا بحث عنه.