يواجر نفسه وترفع قيمة خدمته ليفعل ما شاء المعلم من تلك النقائص فإذا عثر عليه فيها وحضر عند المحتسب اعترف بما فعل ثقة منه بأن ضرب المحتسب لا يؤثر فيه، ولما علمت منه ما علمت جعلت عقوبته السجن وطولته عليه بقدر فعله فكان ذلك عليه أبلغ من الضرب وأردع له عن مثل ذلك الفعل ومن كان على ما وصفنا ما عسى أن يبلغ منه أسواط المحتسب إذا ضربه القدر المباح شرعا.
ويضطرون المحتسب إلى أن يقيم لهم القيمة بمحضر الشهود وذلك لما يرجونه من خدعهم له وتلبيسهم عليه وعلى من يخضر معه إذ ليست صنعتهم ولا الراذئل من أفعالهم وكان يتوصل إلى تحقيق ذلك بالحساب أو بمرة واحدة ثم ما نقص من السوم أو زاد عمل بحساب ذلك إذ مقدمات ذلك لا يمكنهم جحدها وذلك أن كل ربع من خمسة وعشرين رطلا أربعمائة أوقية والرطل ست عشرة أوقية ويطلع فيها بالماء الثلث الواحد وذلك مائتا أوقية فيكون الربع عجينا وسطا طيبا على ما يجب ست مائة أوقية وإذا كان المحتسب قد عبر على الدقاقين الدقيق حتى كان ثمن الربع معلوما ووزنه معلوم ويبايعه الناس معهم على ذلك فما المنفعة في تعبيره مع الخبازين إلا زيادة التشغيب وطلب التلبيس والتماس الغفلة لينتهز الفرصة لأنهم يكثرون الغبار ليقل الإصداق ويزيدون في عدد العجانين لتزيد الأجرة ويقللون الماء لينقص الإصداق فيسمونه العجين القاسح فإذا أفرغوا من شغلهم مع المحتسب حطوا من العجانين ونقصوا الغبار وزادوا في الماء وأربحوا لمعلمهم ما يتوفر من ذلك والقليل في الكثير كثير.
ونذكر في ذلك مثالا جارت العادة به بينهم ما لم يفرضوا التعبير مع المحتسب وهو أن يأخذوا قنطارا من سوم ما يبيعه الدقاق وقيمته الآن ثلاثون درهما