للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المؤذن، مع أني رأيت بعض المتحدثين يحقق إنما قصد هذا المؤذن المكر بصاحب الدار والتبشيع عليه حسدا على ما بسط له من دنياه وقد يمكن ذلك إلى غير ذلك من ما يخاف في حقهم من الفتن عليهم سبب اطلاعهم، كما اتفق للرجل الدهان الذي رأيته بغرناطة وحدثت عليه أنه كان مؤذنا أيام فتائه بإحدي البنيات وكان يشرف من موضع أذانه على دار فيها جارية حسناء أعجبه حالها ولما علمت بشأنه لم تزل تبرح له وتشير إليه وتنازيه حتى شغف بها فعرضت له يومًا وهو في أثناء الآذان وشغلته حتى زاد أو نقص وسمعه الناس فأجفلوا إليه وشاع أمره فاضطرته الحال إلى أن فر عن ذلك الموضع واستوطن غيره وترك الآذان ولزم صنعته إلى أن توفي عفا الله عنا وعنه وكفانا الفتن بمنه.

وقد تقدم لبعض الشعراء في ذلك:

ليتني في المؤذنين حياتي ... إنهم يبصرون من في السطوح

فيشيرون أو تشير إليهم ... بالهوى كل ذات دل مليح

والناظر في الحسبة ينكر بحسب الموضع والشخص والحال، وترك مواضع الريب واجب والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، والله عز وجل يقول: ولا تجسسوا، وقال تبارك وتعالى: فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أتى من هذه القاذورات فليستتر فإن من أبدى لنا ضفحته أقمنا عليه حد الله، وإذا سمع أصوات ملاة منكر بدار أنكرها خارج الدار وزجر عليها ولم يعجم على الكشف وليس له أن يتجسس إلا إذا غلب على ظنه أو عرفه ثقة أو دلت أمارات على انتهاك حرمة

<<  <   >  >>