وكان الكسائي يحذف الهاء منهما في الوصل ويثبتها في الوقف. وقال الأزهري: الوجه في القراءة: "لَمْ يَتَسَنَّهْ" بإثبات الهاء في الوقف والإدراج، وهو اختيار أبي عمرو ومن قولهم سَنِهَ الطعامُ ... إذا تغير وقال أبو عمرو، والشيباني: أصله يَتَسَنَّنُ فأبدلوا، كما قالوا تَظَنَّيْتُ وقَصَّيْتُ أظفاري".
وهو هنا لم يبين السبب الذي من أجله اتفق أبو عمرو مع القراء في إثبات الهاء وقفا ووصلا في "لم يَتَسَنَّهْ" واختلافه معهم في "اقْتَدِهْ"، ولكن وَضَّحَهُ في موضع آخر فقال: "إذا كانت (السَّنَةُ) من سَنَا يَسْنُو فالهاء للوقف نحو: "كِتَابِيَهْ"، و"حِسَابِيَهْ" وأما إذا كان أصلها (سَنْهَةً) لقولهم سَانَهْتُ فلاناً إذا عاملته سَنَةً فَسَنَةً، وقولهم (سُنَيْهَة) فتكون الهاء أصلية، قيل ومنه قوله تعالى:"لَمْ يَتَسَنَّهْ"" [التاج: سنو].
ومعنى هذا أن من رأى الهاء في "لَمْ يَتَسَنَّهْ" أصلية أثبتها في الوصل والوقف، ومن رآها هاء اجتلبت للوقف حذفها عند الوصل. وهذا ما قررته كتب التفسير (١)، وتوجيه القراءات، قال السمين:" وقرأ حمزةُ والكسائي: "لم يَتَسَنَّهْ" بالهاء وقفاً وبحذفها وصلاً، والباقون بإثباتِها في الحالين. فأمَّا قراءتهما فالهاءُ فيها للسكتِ. وأمَّا قراءةُ الجماعَةِ فالهاء تحتملُ وجهين، أحدُهما: أن تكونَ أيضاً للسكتِ، وإنما أُثبتت وصلاً إجراء للوصلِ مُجْرى الوقفِ - وهو في القرآن كثيرٌ سيمرُّ بك منه مواضعُ - فعلى هذا يكون أصلُ الكلمةِ: إمَّا مشتقاً من لفظ "السَّنة" على قولنا إنَّ لامَها المحذوفةَ واوٌ، ولذلكَ تُرَدُّ في التصغير والجمع، قالوا: سُنَيَّة وسَنَوات، وعلى هذه اللغة قالوا:"سأنَيْتُ" أُبْدِلَتِ الواوُ ياءً لوقوعِها رابعةً وقالوا: أَسْنَتَ القومُ، فقلبوا الواوَ تاءً، والأصل أَسْنَوُوا، فأَبْدَلوها في تُجاه وتُخَمة كما تقدَّم، فأصله: يَتَسَنَّى فحُذِفَتْ الألفُ جزماً، وإمَّا مِنْ لفظ "مَسْنون" وهو المتغيِّرُ ومنه "مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ"، والأصل: يتَسَنَّنُ بثلاثِ نونات، فاسْتُثْقِلَ توالي الأمثال فَأَبْدَلْنَا الأخيرةَ ياءً، كما قالوا في تَظَنَّنَ: تظَنَّى، وفي قَصَّصْت أظفاري: قَصَّيْت، ثم أَبْدَلْنَا الياء ألفاً لتحرُّكِها وانفتاح ما قبلَها، ثم حُذِفَتْ جزماً، قاله أبو عمرو
(١) انظر: إصلاح المنطق ابن السكيت: ٩٨، وتفسير الألوسي: ٢/ ٣٣٥، التحرير والتنوير: ٢/ ٤٤٤.