للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول

تغير الدلالة لتغير الصوت

يتناول هذا المبحث القراءات القرآنية التي وردت فيها اللفظة القرآنية بصوتين مبدلين، وترتب على هذا تغير في المعنى، كما في قوله تعالى: "فجاسوا" بالجيم، و"فحاسوا" بالحاء. ومن خلال تتبع أقوال المفسرين واللغويين سوف يتبين لنا الفارق في الدلالة بينهما، وإن لم يكن هناك فرق سأرصده أيضا، وذلك على النحو التالي:

(شَعَفَهَا) (١): قراءة في: {قَدْ شَغَفَهَا حُبَّاً} (٢) [التاج: شعف وشغف].

قراءة الجمهور "شَغَفَهَا" بالغين المعجمة المفتوحة، ورجح الطبري هذه القراءة على غيرها (٣). وذهب النحاس إلى أنه المعروف من كلام العرب (٤). والشَّغَفُ شدةُ الحبِّ، سمي بذلك لأنه يخترق شَغَافَ القلبِ - أي غشاءه المحيط به - حتى يستقرَّ في سُوَيْدَائِهِ. كما قرئت "شَعَفَهَا" بالعين المهملة المفتوحة.

والمعنى على هذه القراءة أن حبه قد بلغ في قلبها أعلاه. قال الزجاج: ومعنى شَعَفَهَا: ذهب بها كل مذهب، مشتق من شَعَفَاتِ الجبال، أي رؤوس الجبال، فإذا قلت: فلان مشعوف بكذا، فمعناه أنه قد ذهب به الحب أقصى المذاهب" (٥).

والفرق بين القراءتين يكمن في التبادل بين صوتي الغين والعين، ومع اختلاف المادة إلا أن المعنى متقارب؛ لأنه يؤول في النهاية إلى عظيم أثر حب يوسف في قلب امرأة العزيز.


(١) (شَعَفَ) بفَتْح العين قراءَةُ الحسنِ البَصْرِي وقَتَادَةَ وأَبي رَجَاءٍ والشَّعْبِي وسعيد بن جُبَيْرٍ وثابتٍ البُنَانِي ومُجَاهِدٍ والزُّهْرِيَّ والأَعْرَجِ وابنِ كَثِيرٍ وابنِ مُحَيْصِنٍ وعَوْفِ بن أَبِي جَمِيلَةَ ومحمدٍ اليَمَانِيِّ ويُزِيدَ بنِ قُطَيْبٍ، انظر: معاني القرآن للفراء: ٢/ ٤٢، والكشاف: ٢/ ٤٦٣، ومعالم التنزيل للبغوي: ٤/ ٢٣٦، والبصائر للفيروز آبادي: ٢/ ٢٥٠، والدر المصون للسمين: ٥/ ٤٥٩، والإتحاف: ٤٦٩، ومعجم القراءات لمختار:٢/ ٤٤٠.
(٢) يوسف: ٣٠.
(٣) انظر: جامع البيان: ١٦/ ٦٨.
(٤) انظر: معاني القرآن: ٣/ ٤١٩.
(٥) معاني القرآن وإعرابه: ٣/ ١٠٥.

<<  <   >  >>