للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الفراء: "اختلف القراء في «جمالات» فقرأ عبد الله بن مسعود وأصحابه: «جِمالَةٌ» ... عن أبي عبد الرحمن يرفعه إلى عمر بن الخطاب (رحمه الله) أنه قرأ: «جِمَالاتٌ» وهو أحب الوجهين إليَّ؛ لأن الجِمَال أكثر من الجِمَالة في كلام العرب. وهى تجوز، كما يقال: حَجَرٌ وحِجَارَةٌ، وذَكَرٌ وذِكَارَةٌ إلّا أن الأول أكثر، فإذا قلت: جِمَالات، فواحدها: جِمَال، مثل ما قالوا: رِجَالٌ ورِجَالات، وبُيُوت وبُيُوتَات، فقد يجوز أن تَجْعَلَ واحد الجِمَالات جِمَالَة، وقد حكى عن بعض القراء: جُمَالات، فقد تكون من الشيء المُجْمَل، وقد تكون جُمَالات جمعا من جمع الجِمَال. كما قالوا: الرَّخْل والرُّخَال، والرِّخَال" (١).

وقد وجه السمين لهذه القراءات فقال: الجِمالَةُ فيها وجهان:

أحدُهما: أنَّها جمعٌ صريحٌ، والتاءُ لتأنيثِ الجمعِ. يُقال: جَمَلٌ وجِمال وجِمالَة نحو: ذَكَر وذِكار وذِكارة، وحَجَر وحِجارة.

والثاني: أنه اسمُ جمعٍ كالذِّكارة والحِجارة. قاله أبو البقاء (٢)، والأولُ قولُ النُّحاةِ. وأمَّا (جِمَالَات) فيجوزُ أَنْ يكونَ جمعاً لـ "جِمَالَة" هذه، وأَنْ يكونَ جمعاً لـ (جِمال)، فيكون جمعَ الجمعِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ جمعاً لـ (جَمَل) المفردِ كقولهم: "رجِالات قريش" كذلك قالوه: وفيه نظرٌ؛ لأنَّهم نَصُّوا على أنَّ الأسماءَ الجامدةٌ غيرَ العاقلةِ لا تُجْمَعُ بالألفِ والتاءِ، إلاَّ إذا تُكَسَّرْ. فإنْ كُسِّرَْتْ لَم تُجْمَعْ. قالوا: ولذلك لُحِّن المتنبيُّ (٣) في قولِه:

إذا كان بعضُ الناسِ سَيْفاً لدولةٍ ... ففي الناسِ بُوْقاتٌ لها وطُبولُ

فجمع "بُوقاً" على "بُوقات" مع قولِهم: "أَبْواق"، فكذلك (جِمالات) مع قولهم: جَمَل وجِمال. على أنَّ بعضَهم لا يُجيزُ ذلك، ويَجْعَلُ نحو: حَمَّامات وسِجلاَّت شاذَّاً، وإنْ لم يُكَسَّرْ. وقرأ ابنُ عباس والحسنُ وابن جبير وقتادةُ وأبو رجاء بخلافٍ عنهم، كذلك، إلاَّ أنَّهم ضَمُّوا الجيمَ – جُمَالَاتٌ - وهي حِبالُ السفنِ. وقيل: قُلوس الجسورِ، الواحدةِ "جُمْلة" لاشتمالِها على طاقاتِ الحِبال. وفيها وجهان:


(١) معاني القرآن: ٣/ ٢٢٥.
(٢) انظر: التبيان في إعراب القرآن: ٢/ ٢٧٨.
(٣) البيت في شرح ديوان المتنبي للبرقوقي: ٣/ ٣١٤، انظر: يتيمة الدهر للثعالبي: ١/ ٤٦، والعمدة في محاسن الشعر ومثالبه لابن رشيق: ٢١٠، والصبح المنبي ليوسف البديعي: ١/ ٣٤.

<<  <   >  >>