للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاءت قراءة الكسر: "ضِيقٍ" شاهدا على أن مصدر ضاق يَضيقُ هو: ضَِيْقاً بالكَسْرِ والفَتْح. وأن الضَّيْقَ: الشّكُّ في القَلْب وهو مَجاز وبه فُسِّرت الآية. ويختلف علماء اللغة في: هل هما لغتان في المصدر والمعنى واحد أم بينهما اختلاف؟ على وجوه (١): الأول: قال أبو عَمْرو: الضَّيَقُ بالتّحْريك: الشَّكُّ، وهو بالفَتْحِ بهذا المعنى أكثَر فحينَئِذ الصّوابُ ويُحَرَّك. وقال الفَرّاء: الضَّيْقُ بالفَتْح: ما ضاقَ عنْه صدْرُك فهو فيما لا يتّسِعُ (أي في المعاني)، وهو يُثنّى ويُجْمَع ويؤنّث. الثاني: قال الفراء: الضِّيقُ بالكَسْر يكون فيما يتّسِعُ ويَضيقُ كالدّارِ، والثّوْبِ (أي في الماديات)، وهولا يُثنّى ولا يُجْمَع ولا يؤنّث. الثالث: أنهما سَواءٌ (أي هما لغتان في المصدر)، قاله الفراء أيضا. ... [التاج: ضيق].

ويبدو أن الفرق بين البناءين في المعنى قد استوقف كثيرا من اللغويين والمفسرين وأصحاب المعاني. فقد جاء في "معجم الفروق اللغوية" وجه رابع وهو عكس ما ذكره الفراء فيقول: الفرق بين الضَّيْقِ والضِّيقِ: قال المفضل: الضَّيْقُ بالفتح في الصَّدْرِ والمكان، والضِّيقُ بالكسر في البُخْلِ وعسر الخلق ومنه قوله تعالى {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} (٢).

ويذكر المعجم نفسه فرقا خامسا بين البناءين فيقول:" وقال غيره: الضَّيْقُ مصدر، والضَّيِّقُ اسمٌ: ضَاقَ الشيءُ ضَيْقَاً، وهو الضَّيِّقُ، والضَّيِّقُ ما يلزمه الضَّيْقُ وهذا المثال يكون لما تلزمه الصفة مثل سَيْدٍ ومَيْتٍ، والضَّائِقُ ما يكون فيه الضَّيْقُ عارضا، ومنه قوله تعالى: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} (٣) " (٤).

أما الإمام الطبري فيذكر تعليلا طويلا ينصر فيه قراءة الفتح، ثم يقول: "ففتح الضاد هو الكلام المعروف من كلام العرب في ذلك المعنى (ضيق الصدر) تقول العرب: في صدري من هذا الأمر ضَيْقٌ، وإنما تكسر الضاد في الشيء المُعَاشِ، وضِيقِ المَسْكَنِ، ونحو ذلك؛ فإن وقع الضَّيْقُ بفتح الضاد، في موضع الضِّيق بالكسر. كان على - الذي يتسع أحيانا، ويضيق من قلة - أحد وجهين:


(١) انظر: معاني القرآن للفراء: ٢/ ١١٥، والكشاف: ٢/ ٦٤٥، ومعالم التنزيل: ٥/ ٥٤، والمحرر الوجيز: ١/ ٢٣١، والتبيان للعكبري: ٢/ ٨٧، والبحر المحيط: ٥/ ٥٢٨.
(٢) معجم الفروق اللغوية الحاوي لكتاب أبي هلال العسكري وجزء من كتاب " فروق اللغات" لابن نعمة الله الجزائري: ٣٣٣.
(٣) هود: ١٢.
(٤) معجم الفروق: ٣٣٣.

<<  <   >  >>