للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذالَ مهجورةٌ والتاءَ مهموسةٌ فلم يجتمعا، فأُبدلت التاءُ دالاً؛ لأنها من مَخْرَجها لتقربَ من الذالِ ثم أُبدلت الذالُ – دالا - وأُدْغِمَتْ " (١). والداعي إلى قلب التاء دالا صعبوبة الانتقال من نطق (الذال) المجهورة إلى نطق (التاء) المهموسة، فقلبت التاء إلى أقرب نظير مجهور وهو الدال، فصارت الكلمة (يَذْدَخِرُ)، وكان هذا التقارب داعيا إلى قلب آخر؛ ليحدث التماثل التام المسوغ لوقوع الإدغام، وهو إما أن تنقلب الذال إلى دال فتصير الكلمة (يَدْدَخِرُ) ثم يحدث الإدغام فتصير الكلمة (يَدَّخِرُ)، وهذا هو التماثل الرجعي. وإما أن تنقلب الدال ذالا وتدغم فتصير الكلمة (يَذَّخِرُ)، وهذا هو التماثل التقدمي. وقد وردت اللغتان عن العرب وقرئ بهما قوله تعالى: {وَمَا تَدَّخِرُونَ} (٢) فِي بُيُوتِكُمْ". ومنه حَدِيث الضَّحِيَّة: " كُلُوا واذَّخِرُوا" (٣). وما قيل في (تَدَّخِرُونَ) يقال في (مُدَّكِرٍ) من قوله تعالى: {فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ}.

قال الفَرَّاءَ: "حَدَّثَني الكِسَائيّ عن إِسْرَائِيلَ، عن أَبِي إِسحَاقَ، عن أَبِي الأَسْوَدِ قال: قلْت لعَبْدِ الله: "فهَلْ مِن مُذَّكِر" أو "مُدَّكِر فقال: أَقرَأَنِي رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُدَّكِر"، بالدال. ومُدَّكِر في الأَصْل مُذْتَكِر على مُفْتَعِل فصُيِّرت الذَّالُ وتَاءُ الافْتِعَالِ دَالاً مُشَدَّدَةً، قال: وبعَضُ بني أَسد يقول: مُذَّكِر فيقلبون الدالَ فتَصِير ذَالاً مُشدَّدَةً " (٤).

وقال مكي بن أبي طالب: "الذال حرف مجهور قوي، والتاء مهموسة ضعيفة فأبدلوا من التاء حرفا من مخرجها، مما يوافق الذال في الجهر، وهو الدال ثم أدغمت الذال في الدال. ويجوز "مُذَّكِر" بالذال على إدغام الثاني في الأول وبذلك قرأ قتادة" (٥). وعلى ما سبق يُفَسَّرُ


(١) التبيان: ٢/ ٢٥٠.
(٢) قرأ "تذدخرون" بذال ودال بغير إدغام أبو شعيب السوسي في رواية عن أبي عمرو، انظر: الدر المصون: ٢/ ١٠٨
(٣) هذا جزء من حديث رواه الإمام النسائي في السنن: ٤/ ٤٣٥، باب الادخار من الأضاحي، رقم: ٤٣٥٥.
(٤) معاني القرآن: ٣/ ١٠٧.
(٥) مشكل إعراب القرآن: ٢/ ٦٩٧.

<<  <   >  >>