أخي المسلم: من ذلك الهدى النبوي الوضَّاء استنار الصحابة الأطهار - رضي الله عنهم -، فكانوا سادة الزاهدين .. ضربوا الدنيا بسيف الزهد فولَّت هاربة لا تلوي على شيء .. فعاشوا - رضي الله عنهم - يضعون البذر في مزرعة الآخرة ليحصدوا {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ... }[الشورى].
فهذا الفاروق عمر أمير المؤمنين - رضي الله عنه - لما قدم الشام قَدَّموا له برذونًا لما ركبه هَزَّه فنزل عنه، فَعَرَضَتْ له مخاضة، فنزل عن بعيره وأخذ بخطامه ونزع موقيه (خفيه) فأخذهما بيديه وخاض الماء قال أبو عبيدة: «صنعت اليوم صنيعًا عظيمًات عند أهل الأرض» فصكَّ عمر في صدره فقال: «إنه لو غيرك يقول هذا، إنكم كنتم أقل الناس وأذل الناس وأضعفهم فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم».
وعندما نصحوه - رضي الله عنه - أن يأكل طعامًا طَيبًا. قال:«قد علمت نصحكم ولكني تركت صاحبيَّ على جادة فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل». وكان - رضي الله عنه - كثيرًا ما يقول: إن الله ذمَّ أقوامًا في كتابه فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}[الأحقاف]. فرضى الله عن الفاروق فقد أبت نفسه إلا سؤددًا وعلوًا، وإلا فلو طعم طعامًا طيبًا، ولبس لباسًا لينًا، وركب مركبًا وثيرًا، لما كان في ذلك جناح؛ ولكنها أخي هي الهمة التي تبلغ بالصالحين منازل الثريا .. وحقًا إن حسنات الأبرار سيئات المقربين! !