للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنه يرد على هؤلاء القائلين بأنه راجع إلى جميع الجمل، أن توبة القاذف لا تسقط عنه حد القذف بالإجماع. فلو كان الاستثناء راجعا إلى جميع الجمل لزم سقوط الحد بوجود التوبة، واللازم باطل، فالملزوم مثله.

أما الملازمة فظاهرة، وأما بطلان اللازم فبالإجماع إلا ما يروى عن الشجي، وهو مدفوع بالنصوص، وبإجماع أهل العلم.

ومن القائلين برجوع الاستثناء الواقع بعد جمل إلى جميعها من غير نظر [١ب] إلى خصوص هذه الآية، مالك، والشافعي، وأصحابهما، وجمهور أهل الأصول وغيرهم (١).


= ومن القائلين برجوعه إلى الجملة الأخيرة، أبو حنيفة (٢). وقد توقف بعض أهل العلم في ذلك (٣). ووجه التوقف، أنه قد ورد في كتاب الله تعالى مع رجوع الاستثناء إلى جميع الجمل، كما في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} (٤) الآية.
فإن الاستثناء المتعقب لها، راجع إلى (٥) الجميع باتفاق العلماء. وآية قتل المؤمن (٦) خطأ، الاستثناء فيها راجع إلى الأخيرة (٧) باتفاق العلماء. فهذا وجه التوقف في آية القذف، وسبب اضطراب المذاهب فيها.
وقد عرفت اتفاقهم على عدم رجوع الاستثناء فيها إلى الجلد، ولا اعتبار. بمخالفة
(١) انظر: المحصول (٣/ ٤٣) البحر المحيط (٣/ ٣١٥) والكوكب المنير (٣/ ٣١٣) الآيات البينات (٣/ ٥٤)
(٢) قال صاحب الكوكب المنير (٣/ ٣١٣): وعند أبي حنيفة وأصحابه والرازي والمجد يرجع- الاستثناء- إلى الجملة الأخيرة.
انظر: تيسير التحرير (١/ ٣٠٢, ٣٠٥)، نهاية السول (٢/ ١٢٨)
(٣) وهو قول الأشعرية منهم الباقلاني والغزالي لتعارض الأدلة. انظر: المسودة ص ١٥٦، البرهان (١/ ٣٥٩)
(٤) وتمام الآية: { ...... وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٣ - ٣٤].
(٥) وهو قول الشافعي كما قاله الماوردي والرويانى أنه يعود إلى جميعها .. البحر المحيط (٣/ ٣٠٧)، الكوكب المنير (٣/ ٣١٩)
(٦) [النساء: ٩٢]
(٧) قال القفال: وكذا قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [السماء: ٩٢] فالاستثناء يرجع إلى الأخيرة، لأن الدية حق آدم فيسقط بالعفو، والرقبة حق الله. فلا يسقط بالعفو من الآدمي وكذا قال: الماوردي وغيره.
البحر المحيط (٣/ ٣١٦)