للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(الوجه الثالث): أن الأمة قد أجمعت على أن التوبة تمحو الكفر. فإذا تاب الكافر تاب الله عليه، وأجمعت على أن ذنب القذف دون ذنب الكفر. بمسافات لا تحصى. فيستفاد من هذين الإجماعين، أن ما يصدق عليه مسمى التوبة في حق القاذف يكون توبة مقبولة، سقط عنه ها إثم القذف. فاعتبار قيد زائد على مسمى التوبة في القذف، [وهو] (١) دون الشرك مخالف لقواعد الشريعة، ولما عليه أهل الإسلام.

وليس القاذف بأشد جرما، ولا أكبر ذنبا من الكافر بالإجماع.

(الوجه الرابع): أن [الشهداء] (٢) الذين جلدوا بسبب كونهم دون النصاب، لم يكن جلدهم لكونهم كاذبين قي الواقع، بل لكونهم أقدموا على ما يخالف الشرع، وهو شهادتهم [٣ب] وهم دون النصاب، ولم يبح الله لهم ذلك، ولا أجازه، فاستحقوا الجلد ورد الضهادة، وإطلاق اسم الفسق عليهم. فالتوبة: هي اعترافهم بأنهم خالفوا الشرع في هذا الإقدام على الشهادة، وسارعوا إلى هتك عرض المسلم المشهود عليه بدون حقه، واستعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة، وندمهم على ما فرط منهم، وعزمهم على أن لا يعودوا إلى ذلك، فإيجاب تكذيبهم أنفسهم هو أمر أخر غير ما تابوا عنه.

(الوجه الخامس): أن ما أخبروا به هو عند سامعه في حيز الاحتمال لم يرد دليل صحيح من عقل، ولا نقل بأنه كذب، وجلدهم الذي أقيم عليهم، إنما هو رجوع إلى ظاهر الشرع، لا كونهم كاذبين، فإن هذا لم يتعبدنا الله به، فإلزامهم بأن يخبروا عن أنفسهم أنهم كاذبون، وجعل ذلك شرطا في توبتهم، لا تقبل بدونه، هو غير ما يعتقده من جمع الشهادة؟ لأنها عنده في حيز الاحتمال، وغير ما يعتقده الشاهد، لأنه عند نفسه على بصيرة لولا أنه وقع في الخطأ، بسبب إقدامه عليها مع عدم كمال النصاب.


(١) زيادة يستلزمها السياق
(٢) في المخطوط: الشهادة والصواب ما أثبتناه