ومع كونه غير ما يعتقده سامع الشهادة، وغير ما يعتقده الشاهد، هو أيضًا خلاف ما في الكتاب والسنة ولغة العرب.
(الوجه السادس)[٤أ]: أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، وهو في اشتراطه لهذا الشرط في توبة الشهود، مخالف لما كان يتكلم به عند أن يلقى المغيرة بن شعبة وينظر إليه، فإنه كان يقول في غير مرة:"ما ذكرت قصتك إلا خشيت أن ارجم بحجارة من السماء".
فهذا منه دليل، وأصعب دليل على أنه لم يقطع بكذب أولئك الثلاثة الذين شهدوا عليه، بل كان الأمر في نفسه محتملا، إن لم يكن عنده احتمال صدقهم أولى، كما يفيده هذا، ولكنه- رضي الله عنه- رجع إلى ظاهر الشرع، وهو الواجب عليه، وعلى كل مسلم، وهو المتقرر، في هذه الشريعة الغراء.
وأما خشيته بأن يرجم بحجارة من السماء، فليس ذلك لكونه خطأ في الحكم الواقع منه بجلد الشهود الثلاثة، فإنه لم يخطئ بلا خلاف.
ولكنه كان يقول هذه المقالة إن صحت عنه تقريعا للمغيرة وتوبيخا. وربما كان سبب قوله لها: إن المغيرة كان مشهورا. بمقارفته هذه المعصية، ولهذا كان يقال له: الأعور الزناء. ومن كان هذه المنزلة من الشهرة. بمقارفته لهذه المعصية، فهو غير عفيف. ولا جلد على القاذف بغير العفيف في الظاهر. فكان عمر- رضي الله عنه - يذكر هذا تندما، وتأسفا، حيث لم يدرأ [٤ب] عن الشهود الذين شهدوا عليه حد القذف ثم هذه الشبهة، وفي الأمر سعة. فيمكن [أن يقال](١): إنه لم يبلغه ما يقال: من عدم عفة المغيرة إلا من بعد الجلد، ويمكن أنه لم يقطع بتلك الشهرة، ولا سيما والذين اشتهرت بينهم هذه المقالة هم أهل ولاية المغيرة، ومن كان كذلك فقد يفتري على أميره الكذب، ويقول الباطل. وعلى كل حال فالأمر في حين الاحتمال، فقد أصاب عمر- أصاب الله