اتفقت الشرائع على هذا، ولم تختص به الشريعة الإسلامية وحدها، وإذا كان الكذب ذنبا يوجب العقوبة، فكيف يشترط في توبة الشاهد الذي شهد. مما رأته عينه، ووقع عليه بصره إذ يكذب نفسه فيدخل في ذنب. بمجرد طلبه للخروج من ذنب، والتوبة عنه؟.
وهل يحل إلزامه الدخول في ذنب متفق عليه، ومعصية لا خلاف فيها!؟ وهل هذا إلا رأي بعيد عن الصواب، واجتهاد ناء عن الحق!؟.
فإن قلت: قد تبين. مما ذكرته ما هو الحق في كيفية هذه التوبة من القذف، وأنه لا يشترط فيها، ما اشترطه عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ولا ما اشترطه من تبعه من السلف ومن بعدهم حسبما تقدم تقريره، وبقي أمران:
(أحدهما): التصريح. مما هو الراجح لديك في المذاهب السابقة في رجوع الاستثناء [٥ب] إلى جميع تلك الجمل المذكورة في الآية، أو إلى بعضها.
(والثاني): أن الله ضم إلى ما ذكره من اشتراط التوبة الإصلاح، فما هو؟
قلت: أما ما أذهب إليه في الاستثناء في هذه الآية وغيرها، فهو رجوعه إلى جميع الجمل السابقة التي لم يتعقب بعضها قبل ورود الاستثناء، أو نحوه من القيود ما يدل على تخصيصه. مما يخالف القيد الآخر. أو يخصص الدليل بعض القيود دون بعض، كما وقع في آية القذف، فإن الاستثناء لا يرجع إلى الجلد، بل يجلد القاذف بعد طلب المقذوف، ومرافعته له إلى الإمام أو الحاكم، وإن تاب.
ووجه عدم رجوعه إليها، الدليل في غير قضية من الحدود، فإن المحدودين كانوا يأتون إلى النبي- صلى الله عليه واله وسلم- تائبين عن الذنب الذي قارفوه، في يقيم عليهم الحد حتى قال في المرأة التي رجمها: " لقد تابت توبة، لو تابها صاحب .... ...