للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انتهى، وقال النيسابوري (١): وأمرت لأن أكون ليس بتكرار، لأن اللام للعفة، والمأمور به محذوف يدل عليه ما قبله، والمعنى أمرت بإخلاص الدين، وأمرت بذلك لأجل أن أكون أول المسلمين الخ. وقال البيضاوي (٢): والعطف لمغايرة الثاني الأول بتقييده بالعلة الخ. وقال البقاعي (٣) بعد أن ذكر المعنى، وأطال: فجهة هذا الفعل غير جهة الأول، فلذلك عطف عليه، لأنه لإحراز قصب السبق. والأول لمطلق الإخلاص في العبادة، انتهى.

إذا تقرر هذا فاعلم أن استشكال العطف إنما هو مع عدم الحكم بزيادة اللام، لأن الأمر الثاني لم يذكر بعده إلا العلة، ولا لد من معلل، وليس إلا الجملة المذكورة بعد الفعل الأول، وهو قوله تعالى: {أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (٤) فيكون الكلام على جعل اللام للعلة في قوة أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين، لأن أكون أول المسلمين. ولا شك أنه اتحد ههنا الفعلان وما بعدهما، وهما (أن أعبد) الملفوظ به في الأول، والمقدر في الثاني، فكان الجواب الذي انحل به الإشكال هو ربط الثاني بالعلة المقتضي لاختلاف الجهة، وأما مع القول بزيادة اللام فلا إشكال أصلا، لأن معمول الثاني غير معمول الأول للقطع بأن معمول الأول هو انه يعبد الله مخلصا، ومعمول الثاني هو أنه يكون أول المسلمين. وما أحسن ما قاله ابن الخازن (٥)! ولفظه: وقيل أمره أولا بالإخلاص، وهو من عمل القلب، ثم أمره ثانيا بعمل الجوارح إلى آخر كلامه، وهو متين. فالعطف صحيح ليس فيه إشكال، ولكن السائل- كثر الله فوائده- لعله ظن أن الإشكال في مجرد العطف! لأمرت على أمرت سواء اتحد متعلقهما أو اختلفا. ومنشأ?


(١) في تفسيره " غرائب القرآن ورغائب الفرقان" (٢٣/ ١٢٠)
(٢) في تفسيره " أنوار التينزيل وأسرار التأويل " (٥/ ٢٥)
(٣) في تفسيره " نظم الدرر تناسب الآيات والسور" (١٦/ ٤٧٤)
(٤) [الزمر: ١١]
(٥) في تفسير "لباب التأويل في معاني التينزيل" (٤/ ٧٠)