للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك الظن قول الزمخشري (١)، فإن قلت: كيف عطف أمرت على أمرت، وهما واحد!، انتهى. وليس مراد الزمخشري ما ظنه السائل- أطال الله بقاه- بل مراده ما أسلفنا، إنما اختصر الكلام كما هو عادته، وإلا فبتقدير السؤال الذي أراده الزمخشري وغيره هو أن يقال: كيف عطف الفعل الآخر على الفعل الأول، مع أن معمولهما وهو المأمور به واحد: وهو أن أعبد الله مخلصا له الدين لما أسلفناه مع أن تعقيب الثاني بلام العفة يدل على أن المأمور به مقدر، وهو ما دل عليه المأمور به بعد الأمر الأول، فهو نظير كسوت زيدا حلة، وكسوته إكراما له، فلا يشك من نظر في هذا التركيب أن تقدير الكلام كسوت زيدا حلة وكسوت زيدا حلة إكراما. ولا شك أن الفعلين ومعمولهما في هذا التركيب متحدان، فإذا قال القائل: اتحد المعطوف والمعطوف عليه كان الجواب أنهما اختلفا جهة، لأن الأول مطلق، والثاني مقيد، بخلاف ما إذا قيل: كسوت زيدا خفة، وكصوت عمرا جبة؟ فهذا لا يقول قائل أنه مشكل أبدا، لأن عطف الفعل على الفعل مع اختلاف (٢) معموليهما مما لا تنكر كثرته في لغة العرب.

فإذا جعلت اللام في الآية زائدة، وكان معمول أمرت الأول غير معمول أمرت الثاني فقد جعلت اللام في الآية زائدة، وكان معمول أمرت الأول غير معمول أمرت الثاني فلا يحتاج مع ذلك إلى تجشم الجواب، باختلاف الجهة، لأنه قد وقع الاختلاف في متعلق الفعلين كما يقال: ضربت زيدا وضربت عمرا إكراما، فإذا قال قائل: ما المسوغ لعطف ضربت على ضربت؟ قلنا: اختلاف المعمولين بخلاف ما إذا قال ضربت زيدا وضربت إكراما " فالمسوغ اختلاف الجهتين بالإطلاق والتقييد، والمقام غير محتاج إلى التطويل بمثل هذا، ولكن لما كان منشأ الإشكال هو ذلك كما فهمته من كلام السائل حسن التطويل، وإن كان مثل السائل في قوة إدراكه وجودة عرفانه لا يحتاج إلى البعض من ذلك، إنما لعله


(١) انظر: نص كلام الزمخشري وقد تقدم في بداية الرسالة.
(٢) انظر: الأصول في النحو لابن السراج (٢/ ٧٨)