للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أن هذا الاستثناء (١) الواقع في الآية متصل عند كل من حمل المستثني منه على العموم، وهو الحق. وأما من قال أن المراد به جنس الكفار، أو كفار معينين فهو يجعله منقطعا، والتقدير: ولكن الذين ا منوا وعملوا الصالحات.

فإن قلت: ظاهر ما في هذه الآية من العموم شمولها لأهل الفترة الذين لم يبلغهم شيء من شرائع الله- سبحانه-، لأنهم ماتوا ولم يؤمنوا ولا عملوا الصالحات. قلت: هؤلاء وإن دخلوا في عموم الإنسان فقد خرجوا بالعفو عنهم لجهلهم بالشرائع، وعدم تمكنهم من طلبها، ولهذا يقول الله- سبحانه-: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (٢).

فإن قلت: الأنبياء- صلوات الله عليهم وسلامه- منزهون عن أن ينالهم خسر لما ثبت لهم من العصمة قبل النبوة وبعده. قلت: هم أعلى طبقات العالم، وأكرم جنى بني ادم، وقدوة أهل الإيمان، وأسوة الصالحين، فكما أن أهل الإيمان خارجون من الخسر بإيمانهم فأنبياء الله خارجون عنه باصطفاء الله لهم، مع كون أيمانهم أكمل أيمان، وإيقانهم أشرف إيقان، وإنما يرد هذا السؤال لو كان المستثنى داخلا فيما أسند إلى المستثنى منه، مشاركا له فيما نسب إليه، وليس الأمر كذلك، فإنه إنما شاركه في كونه من أفراده ومن جملة ما يصدق عليه باعتبار العموم لا باعتبار ما نسب إليه، ولهذا قدر الاستثناء أئمة النحو والأصول والبيان بأن معنى جاءني القوم إلا زيدا: القوم المخرج منهم زيد جاءني. وهكذا سائر التراكيب الاستثنائية، فالتقدير فيما نحن بصدده: الإنسان المخرج منه [٨ب] الذين آمنوا وعملوا الصالحات في خسر.

فإن قلت: قد ذكرنا أن لله- سبحانه- أن يقسم. مما شاء من مخلوقاته، فهل ثم نكتة في تخصيص الأقسام بالعصر في هذه السورة؟ قلت: دكن أن تكون النكتة أن


(١) انظر " فتح القدير " (٥/ ٤٥٩ - ٤٩٦).
(٢) الإسراء:١٥