للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: من الأسباب التي يجب عندها الصوم شهادة الواحد كما ثبت ذلك عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند شهادة الأعرابي [وهو مجهول] (١)، قلت: أما أولًا: فقد قدمنا لك أنه شهد بعد إسلامه والإسلام يجب ما قبله، فهو في تلك الحال لا يتصف بجهالة العين ولا الحال.

وأما ثانيًا فهو متوقف على إمكان الجمع بينه وبين حديث وشهد شاهدًا عدل وحديث فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا (٢) بأن في قبول الواحد زيادة يجب قبولها، وإنه يدل على قبول الواحد بالمنطوق (٣) ومقابله بالمفهوم (٤) والمنطوق [أرجح] (٥) أو عدم إمكانه بهذا الوجه والمصير إلى التعارض وترجيح قبول الواحد في كل واحد من الطرفين نزاع طويل.

وأما ثالثًا فسيأتيك الفرق بين مجهول الصحابة وغيرهم وقبول الواحد العدل لو سلمنا أنه من الأسباب لم يكن مضرًا بمحل النزاع؛ لأن كلامنا في قبول المجهول أو المجاهيل كما سلف وإذا [قد] (٦) تبين لك الكلام في مطلق المجهول فلنتكلم على مجهول الصحابة، وبيانه متوقف على ذكر الخلاف في عدالة الصحابة، وفيه أربعة مذاهب:

أنهم عدول (٧) مطلقًا ونسبه ابن الحاجب في ......................


(١) زيادة من (ب).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم التعريف بها.
(٤) تقدم التعريف بها.
(٥) زيادة من (ب).
(٦) زيادة من (ب).
(٧) قال الشيخ تقي الدين وغيره "الذي عليه سلف الأمة وجمهور الخلف أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين عدول بتعديل الله تعالى لهم"، المسودة (ص ٢٩٢).
وقال ابن الصلاح في مقدمته ص ١٤٦ - ١٤٧: الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ولا يعتد بخلاف من خالفهم.
قال الإمام الجويني في البرهان (١/ ٦٣٢) ولعل السبب في قبولهم من غير بحث عن أحوالهم أنهم نقلة الشريعة، ولو ثبت التوقف في روايتهم لانحصرت الشريعة على عصر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما استرسلت على سائر الأعصار. قال إلكيا الطبري: وأما ما وقع بينهم من الحروب والفتن فتلك أمور مبنية على الاجتهاد، وكل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد والمخطئ معذور بل مأجور، وكما قال عمر بن عبد العزيز: تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا نخضب بها ألسنتنا- أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (٢/ ٩٣٤ رقم ١٧٧٨) وابن الجوزي في سيرة عمر بن عبد العزيز ص ١٦٥ بسند لا بأس به.
قلت: وهذا القول هو الراجح والله أعلم.