فلو لم يكن في عباده من يخطئ ويذنب ليتوب عليه ويغفر له ويعفو عنه لن يظهر أثر أسمائه الغفور والعفو والحليم والتواب، وما جرى مجراها، وظهور أثر هذه الأسماء ومتعلقاتها في الخليقة كظهور آثار الأسماء الحسنى ومتعلقاتها، فكما أن اسمه الخالق يقتضي مخلوقا، والباري يقتضي مبروءا، والمصور يقتضي مصورا ولا بد، فأسماؤه الغفار التواب تقتضي مغفورا له وما يغفره له كذلك من يتوب عليه، وأمورا يتوب عليه من أجلها، ومن يحلم عنه ويعفو عنه، وما يكون متعلق الحلم والعفو، فإن هذه الأمور متعلقة بالغير ومعانيها مستلزمة لمتعلقاتها. (٢) قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (٢/ ٢٩٢): إن الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الإنسان، وهاتان القوتان فيه منزلة صفاته الذاتية، لا ينفك عنهما، وبهما وقعت المحنة والابتلاء، عرض لنيل الدرجات العلى، واللحاق بالرفيق الأعلى، والهبوط أسفل سافلين ... والمقصود أن تركيب الإنسان على هذا الوجه هو غاية الحكمة، ولا بد أن يقتضي كل واحد من القوتين أثره، فلا بد من وقوع الذنب والمخالفات والمعاصي، ولا بد من ترتب آثار هاتين القوتين عليهما، ولو لم يخلقا في الإنسان لم يكن إنسانا، بل كان ملكا، فالترتب من موجبات الإنسانية، كما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".