للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التعبير عنه ولا الوقوف على حقيقته ولا تصور معناه، وإذا كان المولي لهذه النعمة والمتفضل بها هو الله سبحانه، ولا يقدر على ذلك غيره ولا يمكن منه سواه، فهو المستحق لإخلاص توحيده وإفراده بالعبادة.

الموفي ثلاثين: قوله: {ولا الضالين} ووجهه أن الوصول إلى النعم مع الرضا قد يكون مشوبا بشيء من الغواية، مكدرا بنوع من أنواع المخالفة وعدم الهداية، وهذا باعتبار أصل الوصول إلى نعمة من النعم مع رضى المنعم بها، فإنه لا يستلزم (سلبها كون المنعم عليه على ضلالة) (١) لا باعتبار هذه النعمة الحاصلة [١٧] من هذا المنعم عز وجل.

ولما كان الأمر في الأصل هكذا كان في وصول النعم إلى المنعم عليه من المنعم بها- مع كونه راضيا عليه غير غاضب منه إذا كان ذلك الوصول مصحوبا بكون صاحبه على ضلاله في نفسه- (٢) قصورا عن وصولها إلى من كان جامعا بين كونه واصلا إلى النعم فائزا برضا المنعم خالصا من كدر كونه في نفسه على ضلالة وتقرير الدلالة من هذا الوجه على إخلاص التوحيد كتقريرها في الوجه الذي قبله.

فهذه ثلاثون دليلا مستفادة من سورة الفاتحة باعتبار ما يستفاد من تراكيبها العربية مع ملاحظة ما يفيده ما اشتملت عليه من تلك الدقائق والأسرار التي هي راجعة إلى العلوم الآلية وداخلة فيما تقضيه تلك الألفاظ بحسب المادة والهيئة والصورة مع قطع النظر عن التفسير بمعنى خاص كما قاله بعض السلف، أو وقف عنده من بعدهم من الخلف.

فإن قلت هذه الأدلة التي استخرجتها من هذه الصورة المباركة وبلغت بها إلى هذا العدد وجعلتها ثلاثين دليلا على مدلول واحد، لم نجد لك فيها سلفا ولا سبقك بها غيرك.

قلت: هذه شكاة ظاهر عنك عارها، واعتراض غير واقع موقعه ولا مصادف محله فإن


(١) في المخطوط: سلب كون المنعم عليه على ضلاله، وصوابه ما اعتمدناه.
(٢) ظاهر العبارة أنه بالرفع قصور على أنه اسم كان مؤخر: كان في وصول النعم.