للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرآن عربي، وهذا الاستخراج لما ذكرناه من الأدلة هو على مقتضى اللغة العربية [١٨] وبحسب ما يقتضيه علومها التي دونها الثقات ورواها العدول الأثبات وليس هذا من التفسير بالرأي الذي ورد النهي عنه والزجر لفاعله، بل من الفهم الذي يعطاه الرجل في كتاب الله كما أشار إليه علي بن أبي طالب (١) رضي الله عنه في كلامه المشهور، وما كان من هذا القبيل فلا يحتاج فيه إلى سلف. وكفى بلغة العرب وعلومها المدونة بين ظهراني الناس وعلى ظهر البسيطة سلفًا.

البحث الثالث من مباحث السؤال الأول:

قوله: وكيف شأن المتقدمين على هذه الدعوة النجدية إلى توحيد الألوهية ممن يوجد في كلامه أو في أفعاله شرك ... إلخ؟

والجواب أنه ينبغي أن يعلم السائل عافاه الله أولا بأن أهل العلم ما زالوا في كل زمان ومكان يرشدون الناس إلى إخلاص التوحيد وينفرونهم عن الوقوع في نوع من أنواع الشرك، ويذكرون ذلك في مصنفاتهم المشتهرة بأيدي الناس، ولكن لما كان الشرك أخفى من دبيب النمل كما قاله الصادق المصدوق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفي ذلك على كثير من أهل العلم ووقعوا في أمور منه جاهلين عن ذلك، وسرى ذلك الذهول إلى تحرير شيء مما فيه ذلك في المصنفات وفي أشعار كثير من الأدباء، خصوصا المتصدين لمدح الجناب النبوي ثم المشتغلين بممادح بعض الخلفاء الراشدين، ثم سائر الملوك والسلاطين، فإنه يقع لهم في بعض الأحوال ما يقشعر منه الجلد ويجف له القلب، ويخاف من حلول غضب الله على قارئه فضلا عن قائله، ولا سبب لذلك إلا ما عرفناك من الذهول في بعض الأوقات، والغفلة تارة والجهل أخرى مع ما قد انضم إلى ذلك مما هو أوكد الأسباب في قبح هذه الأبواب، وهو ما زينه الوسواس الخناس لكثير من الناس: من تشييد [١٩] القبور ورفع سمكها واتخاذ القباب عليها وتزيين بعضها بالستور الفائقة وإيقاد الشموع عليها


(١) سيأتي تخريجه في رسالة رقم (٢١) " هل خص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل البيت بشيء من العلم " في القسم الأول - العقيدة-.