للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: انطلقوا به فارجموه، فقام رجل من الناس فقال: لا ترجموه وارجموني، فأنا الذي فعلت بها الفعل، فاعترف، فاجتمع ثلاثة عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: الذي وقع عليها، والذي أغاثها، والمرأة.

فقال: أما أنت فقد غفر لك، وقال للذي أغاثها قولا حسنا. فقال عمر: ارجم الذي اعترف بالزنا، فأبى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لأنه قد تاب إلى الله تعالى. قال ابن القيم (١) وليس بحمد الله فيه إشكال؛ فإن قيل: كيف أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - برجم المغيث من غير بينة ولا إقرار؟ قيل: هذا من أدل الدلائل على اعتبار القرائن، والأخذ بشواهد الأحوال في التهم، وهو يشبه الحدود بالرائحة والقي كما اتفق عليه الصحابة، وإقامة حد الزنا، كما نص عليه عمر، وذهب إليه فقهاء أهل المدينة، وأحمد في ظاهر مذهبه، وكذلك أنه يقام الحد على المتهم إذا وجد المسروق عنده، فهذا الرجل لما أدرك وهو يشتد هربا، وقالت المرأة: هذا هو [الرجل] (٢) الذي فعل بي، وقد اعترف بأنه دنا منها، وأتى إليها، وادعى أنه كان مغيثا لا مريبا، ولم ير أولئك الجماعة غيره، كان هذا من أظهر الأدلة على أنه صاحبها، وكان الظن المستفاد من ذلك لا يقصر عن الظن المستفاد من شهادة البينة. واحتمال الغلط أو عداوة الشهود كاحتمال الغلط وعداوة المرأة هنا، بل ظن عداوة المرأة في هذا الموضع في غاية الاستبعاد، فنهاية الأمر أن هذا لوث ظاهر لا يستبعد ثبوت الحد بمثله شرعا، كما تقبل القسامة باللوث الذي لعله دون هذا في كثير من المواضع، فهذا الحكم من أحسن الأحكام وأجراها على قواعد الشرع، والأحكام الظاهرة تابعة للأدلة الظاهرة من البينة، والأقارير، وشواهد الأحوال، وكونها في نفس الأمر قد تقع غير مطابقة أمرا لا يقدح في كونها طرقا وأسبابا لأحكام، فالبينة لم تكن موجهة بذاتها للحد، وإنما


(١) في أعلام الموقعين (٣/ ٩).
(٢) زيادة من المخطوط (أ).