للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والضابط لذلك بالنسبة إلى المجتهد أن الدليلين المتعارضين إذا كان أحدهما يدل على التحريم أو الكراهة، والآخر يدل على الجواز فالورع الترك، وإن كان أحدهما يدل على الوجوب أو الندب، والآخر يدل على الإباحة. فالورع الفعل، وأما إذا كان أحدهما يدل على التحريم أو الكراهية، والآخر يدل على الوجوب أو الندب فهذا هو المقام الضنك، والموطن الصعب. ومثاله ما ورد من النهي عن الصلاة في أوقات الكراهة (١) وما ورد من الأمر بصلاة التحية (٢)، والنهي عن تركها. فإن الظاهر النهي عن الصلاة يعم صلاة التحية وغيرها، وظاهر الأمر بها يعم، والنهي عن تركها عند دخول المسجد يعم الأوقات المكروهة وغيرها. فبين الدليلين عموم وخصوص من وجه، وليس أحدهما [٩] بالتخصيص أولى من الآخر في مادة الاجتماع، لأن كل واحد منهما صحيح مشتمل على النهي، ولم يبق إلا الترجيح بدليل خارج عنهما، ولم يوجد فيما أعلم دليل خارج عنهما يستفاد منه ترجيح أحدهما على الآخر.

وقد قال قائل: إن الترك أرجح، لأنه وقع الأمر بالصلاة، والأوامر مقيدة


(١) منها ما أخرجه مسلم رقم (٨٣١) وأبو داود رقم (٣١٩٢) والترمذي رقم (١٠٣٠) والنسائي (١/ ٢٧٥) وابن ماجه رقم (١٥١٩) من حديث عقبة بن عامر الجهني أنه قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهانا أن نصلي فيها، وأن نقبر فيها موتانا: حتى تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف الشمس للغروب". ومنها ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٥٨٨) ومسلم رقم (٨٢٥) وأحمد (٢/ ٤٦٢) من حديث أبي هريرة عنه: "أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس".
(٢) منها ما أخرجه البخاري رقم (٤٤٤) ومسلم رقم (٦٩، ٧٠/ ٧١٤) وأبو داود رقم (٤٦٧) والترمذي رقم (٣١٦) والنسائي (٢/ ٥٣) وابن ماجه رقم (١٠١٣) وأحمد (٥/ ٢٩٥). من حديث أبي قتادة قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين".