للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالاستطاعة: {فاتقوا الله ما استطعتم} (١)، "وإذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (٢)

وأقول: إنما يتم هذا لو كان الوارد في صلاة التحية ليس إلا مجرد الأمر بها عند دخول المسجد فقط، وليس الأمر كذلك، بل قد ورد النهي عن الترك في الصحيح بلفظ: "فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" إذا عرفت هذا فظاهر حديث الأمر بصلاة التحية أنها واجبة، وظاهر حديث النهي عن تركها أن الترك حرام، وظاهر حديث النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة كبعد صلاة العصر، وبعد صلاة الفجر أن فعلها حرام، فقد تعارض عند العالم العارف بكيفية الاستدلال دليلان: أحدهما يدل على تحريم الفعل، والآخر يدل على تحريم الترك، فلا يكون الورع والوقوف عند المشتبه إلا بترك دخول المسجد في تلك الأوقات، فإن ألجت الحاجة إلى الدخول فلا يقعد، وهذا على فرض أنه لا يوجد عند العالم ما يدل على عدم وجوب صلاة التحية (٣)، وعلى أن الأمر فيها للندب، والنهي عن الترك للكراهة، أما إذا وجد عنده دليل ...................


(١) [التغابن: ١٦].
(٢) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (٦٨٥٨) ومسلم رقم (١٣٣٧) من حديث أبي هريرة قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
(٣) قال النووي في "المجموع" (٤/ ٨٠ - ٨١): فإذا دخل المسجد في بعض هذه الأوقات فقد ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب أن يصلي تحية المسجد للحديث فيها، والجواب عن أحاديث النهي أنها مخصوصة .. فإن قيل: حديث النهي عام في الصلوات خاص في بعض الأوقات، وحديثه التحية عام في الأوقات خاص في بعض الصلوات فلم رجحتم التخصيص بالأحاديث التي ذكرناها في صلاة العصر وصلاة الصبح، وبالإجماع الذي نقلناه في صلاة الجنازة، وأما حديث تحية المسجد فهو على عمومه لم يأت له مخصص، ولهذا أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة بالتحية بعد أن قعد، ولو كانت التحية تترك في وقت لكان هذا الوقت، لأنه يمنع في حال الخطبة من الصلاة إلا التحية، ولأنه تكلم في الخطبة وبعد أن قعد الداخل وكل هذا مبالغة في تعميم التحية.