للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كحديث ضمام بن ثعلبة (١) حيث قال له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لما قال: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع" ونحوه، فلا يصلح ما ذكرناه للمثال. وقد حررت في ذلك رسالة مستقلة، وأبحاثا مطولة في شرحي [١٠] للمنتقى (٢)، وفي "طيب النشر في جوابي على المسائل العشر" (٣)، وغير ذلك، وليس المقصود هاهنا إلا مجرد المثال لما نحن بصدده.

وكما أن الورع للعالم في تعارض الأدلة على صفة التي قدمنا هو ما ذكرناه، كذلك الورع للمقلد إذا اختلف عالمان فقال أحدهما: هذا الشيء يحرم تركه، وقال الآخر: يحرم فعله، أو قال أحدهما يكره فعله، وقال الآخر: يكره تركه، فالورع له أن يفعل مثل ما ذكرناه في صلاة التحية.

وإذا قد فرغنا من بيان كون التفسير الأول والثاني - أعني ما تعارضت أدلته، وما اختلف فيه العلماء - كلاهما من المشتبهات، وإن اختلف الحال فإن الأول منهما مشتبه باعتبار المجتهد. والثاني: مشتبه باعتبار المقلد، فلنبين: هل التفسير الثالث والرابع - أعني المباح والمكروه - من المشتبهات أم لا؟.

اعلم أنا قد قررنا أن الحلال البين هو ما وقع النص على تحليله، والحرام البين هو ما


(١) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٤٦) ومسلم رقم (٨ - ١١) وأبو داود رقم (٣٩١) والنسائي (١/ ٢٢٦ - ٢٢٧) وأحمد (١/ ١٦٢) من حديث طلحة بن عبيد الله يقول: "جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خمس صلوات في اليوم والليلة". فقال: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع". قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "وصيام رمضان". فقال: هل علي غيره؟ قال: "لا إلا أن تطوع". قال: وذكر له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع". قال: "فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص" قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أفلح إن صدق".
(٢) "نيل الأوطار" (٣/ ٨٤ - ٨٥).
(٣) سيأتي تحقيق هذه الرسالة ضمن مجلد الفتح الرباني. رقم (٩٧).