للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقع النص على تحريمه، ولا ريب أن المباح إن وقع النص من الشارع على كونه مباحا أو حلالا فهو من الحلال البين، وهكذا إن سكت عنه ولم يخالف دليل العقل، ولا شرع (١) من قبلنا فهو أيضًا من الحلال البين، لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قد أخبرنا أن ما سكت عنه فهو (٢) عفو، فمثل ما ذكرناه من المباح إذا لم يكن فعله ذريعة للوقوع في الحرام لا شك أنه لا يصح إدراجه في المشتبهات، ولا تفسيرها به بل من المباح قسم يصح أن يكون من جملة ما تفسر به الشبهات المذكورة في الحديث، وهو ما كانت العادة تقتضي أن الاستكثار منه يكون [١١] ذريعة إلى الحرام ولو نادرا، وذلك كالاستمتاع من الزوجة بما عدا القبل والدبر، فإن الشارع قد أباحه، ولكنه ربما تدرج به بعض من لا يملك نفسه إلى الحرام، وهو الوقوع في القبل والدبر. ولهذا تقول أم المؤمنين عائشة: وأيكم (٣) يملك إربه كما كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يملك إربه! فإن هذا النوع المباح وما شابهه وإن كان حكمه معلوما من الشريعة وأنه من الحلال البين، ولكنه يدخل تحت قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المذكور: "والمعاصي حمى الله من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه" (٤)، وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: "اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل استبرأ لعرضه ودينه".


(١) انظر "البحر المحيط" (٦/ ٤١ - ٤٨). "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي (٤/ ١٤٥ - ١٥٤).
(٢) أخرجه الترمذي رقم (١٧٢٦) عن سلمان، قال: سئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن السمن والجبن والفراء فقال: "الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه". وهو حديث حسن بمجموع طرقه.
(٣) أخرجه البخاري رقم (٣٠٢) ومسلم رقم (٢٩٣) وأبو داود رقم (٢٦٨) والترمذي رقم (١٣٢) وابن ماجه رقم (٦٣٥) وأحمد (٦/ ١٧٤).
(٤) تقدم في بداية الرسالة.