للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بوجوب طلبهما على كل فرد العباد بهذه التخيلات الفاسدة!.

قوله: وجدت الأمر يدور أخره إلى أوله إلخ.

أفول: قد عرفنا فساد هذه الدعوى غيرة مرة، وأن السائل عن مدلول الكتاب والسنة ليس بمقلد.

قوله: أعني في مسألة اجتناب التقليد، فلم أجد ما يشفى الغليل إلخ.

أقول: لو تأملت- غفر الله لك- أحوال الصحابة والتابعين وتابعيهم لشفيت بذلك غليلك، وبيان ذلك أن هذه الثلاث الطبقات التي خير هذهه الأمة المرحومة قد اشتملت على العالم والعامي، فكان صنع العالم فيها الاجتهاد، وصنع العامي السؤال عن الكتاب والسنة، واستفسار الأئمة، والعمل بما بلغ إليه، وليس هذا من التقليد في شيء، لما تقرر في الأصول من أن التقليد قبول قول الغير من دون حجته (١) هؤلاء لم يقبلوا قول الغير بل قبلوا حجته بواسطة روايته، وقبول الرواية ليس بتقليد، فهؤلاء الأعلام الذين نسبتهم إلى التضييق على الناس بسبب منعهم التقليد لم يطلبوا من العوام إلا التشبه بعوام الصحابة، فمن بعدهم، واطراح التقليد المبتدع، وإذا كان الأمر الذي ندبوا الناس إليه هو الهدى الذي درج عليه خير القرون، فأي وصمة- لله درك- عليهم في هذا! وهاك طريقة ينزاح عنك بها الإشكال.

سنوردها عليك على طريق السؤال فنقول: عوام الصحابة والتابعين لا يخرجون عن الأتصاف بأحد ثلاثة أشياء، أما التقليد، أو الاجتهاد، أو الواسطة، فالأول باطل لما بيناه من أنهم لم يقبلوا القول بل قبلوا حجته، ولهذا لم ينسب أحد منهم إلى أحد من أولئك الأعلام، كما نسب هؤلاء المقلدة إلى أئمتهم، بل اكتفوا بالانتساب إلى مطلق الشريعة، ونعمت النسبة، ولم يسمع عن أحد منهم أنه انتسب في مذهبه مثلا إلى ابن عباس، قبيل له عباسي كما يقال شافعي مثلًا.


(١) أنظر الرسالة الآتية برقم (٦٠)، وعنوانها (القول المفيد في حكم التقليد) من القسم الرابع- الفقه.