للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اجتهادًا؟ فإن قلت تقليدًا فنقول ومن ذاك الذي قلدته فإن قد حكينا لك فيما سبق أن أئمة المذاهب يمنعون التقليد كما يمنعه غيرهم في مسائل الفروع فرضًا عن مسائل الأصول، فإن قلت قلدتهم أو قلدت واحدًا منهم وهو الذي التزمت مذهبه في جميع ما قاله من دون أن تطالبه بحجة فقد كذبت عليه وعللت نفسك بالأباطيل، فإن غيرك ممن هو أعلم منك بمذهبه وأعرف بنصوصه قد نقل عنه أنه يمنع التقليد وإن قلت قلدت غيره فمن هو؟ ثم كيف سمحت نفسك في هذه المسألة بخصوصها بالخروج عن مذهبه وتقليد غيره.

وبالجملة فمن تلاعب بنفسه وبدينه إلى هذا الحد فهو بالبهيمة أشبه، وليت أن هؤلاء المقلدة قلّدوا أئمتهم في جميع ما يقولونه، فإنهم لو فعلوا كذلك لزمهم أن يقلدوهم في مسألة التقليد، وهم يقولون بعدم جوازه كما عرفت سابقًا، وحينئذ يقتدون بهم في هذه المسألة ولا يتم لهم ذلك إلا بترك التقليد في جميع المسائل فيريحون أنفسهم [٥١] ويخلصون من هذه الشبكة بالوقوع في حبل من حبالها.

ثم نقول لهذا المقلد أيضًا من أين عرفت إن إمامك الذي قلدته مجتهد فإن قال عرفت أنه جامع لعلوم الاجتهاد، فنقول له ومن أين لك هذه المعرفة يا مسكين فأنت تقر على نفسك بالجهل وتكذبها في هذه الدعوى ولولا جهلك لم تقلد غيرك، وإن قال عرفتها بإخبار أهل العلم أن إمامي قد جمع علوم الاجتهاد فنقول هذا الذي أخبرك هل هو مقلد أم مجتهد؟ إن قلت هو مقلد فمن أين للمقلد هذه المعرفة وهو مقر على نفسه بما أقررت به على نفسك من الجهل وإن قلت أخبرك بذلك رجل مجتهد فنقول من أين عرفت أنه مجتهدٌ وأنت مقر على نفسك بالجهل ثم نعود عليك بالسؤال الأول إلى ما لا نهاية له.

ثم نقول للمقلد من أين عرفت أن احلق بيد هذا الإمام (١) الذي قلدته وأنت تعلم أن غيره من العلماء قد خالفه في كل مسألة من مسائل الخلاف إن قلت عرفت ذلك تقليدًا


(١) انظر: إعلام الموقعين (٢/ ٢٠٨ - ٢١١)