للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن أين للمقلد معرفة الحق والمحقين وهو مقر على نفسه بأنه لا يطالب بالحجة ولا يعقلها إذا جاءته فمالك يا مسكين وللكذب على نفسك بما يشهد عليك ببطلانه لسانك، بل يشهد عليك كل مجتهدٍ ومقلد بخلاف دعواك، وإن قلت عرفت ذلك بالاجتهاد فلست حينئذ مقلدًا ولا من أهل التقليد بل التقليد عليك حرام فمالك تغمط نعمة الله عليك وتنكرها والله يقول: {وأما بنعمة ربك فحدث} (١) ورسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يقول: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» (٢) وأثر نعمة العلم أن يعمل العالم بعلمه ويأخذ ما تعبده الله به من الجهة التي أمره الله بالأخذ منها في محكم كتابه وعلى لسان رسوله تلك الجهة هي الكتاب والسنة وكما تقدم سرد أدلة ذلك، وهو أمرٌ متفقٌ عليه لا خلاف فيه [٥٢].

وعلى كل حال فإنت بتقليدك مع كونك قاصرًا ممن عمل في دين الله بغير بصيرة وترك ما لا شك فيه إلى ما فيه شك واستبدل بالحق شيئًا لا يدري ما هو، وإن كنت مجتهدًا فأنت مما أضله الله على علم وختم على سمعه وبصره فلم ينفعه علمه وصار ما علمه حجة عليه ورجع من النور إلى الظلمات ومن اليقين إلى الشك ومن الثريا إلى الثرى فلالعًا لك بل لليدين وللفم.


(١) [الضحى: ١١].
(٢) أخرجه الترمذي رقم (٢٨١٩) بهذا اللفظ من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وقال: حديث حسن. وهو كما قال.
وأخرجه النسائي (٨/ ١٩٦ رقم ٥٢٩٤) وأبو داود رقم (٤٠٦٣) والحاكم (٤/ ١٨١) وأحمد (٣/ ٤٧٣) وابن سعد (٦/ ٢٨) والبيهقي (١٠/ ١٠) من طرق عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، عن أبيه قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثوب دون، فقال: «ألك مال»؟ قال: نعم، قال: «من أي المال»؟ قال: قد أتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق. قال: «فإذا آتاك الله مالاً فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته».
وهو حديث صحيح.