للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومقلد وإن قتل بل قضيت بما قاله إمامك ولا تدري أحق هو أم باطل كما هو شأن كل مقدل على وجه الأرض فأنت بإقرارك هذا أحد رجلين: إما قضيت بالحق ولا تعلم بأنه الحق أو قضيت بغير الحق لأن ذلك الحكم الذي حكمت به هو لا يخلو عن أحد الأمرين: إما أن يكون حقصا وإما أن يكون غير حق وعلى كلا التقديرين فأنت من قضاة النار بنص المختار، وهذا ما أظن يتردد فيه أحدٌ من أهل الفهم لأمرين: أحدهما: أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قد جعل القضاة ثلاثة وبين صفة كل واحد منهم ببيان يفهمه المقصر والكامل والعالم والجاهل الثاني: أن المقلد لا يدّعي أنه يعلم بما هو حق من لام إمامه ولا بما هو باطل بل يقر على نفسه أنه يقبل قول الغير ولا يطالبه بحجة ويقر على نفسه أنه لا يعقل الحجة إذا جاءته فأفاد هذا أنه حكم بشيء لا يدري ما هو فإن وافق الحق فهو قضى بالحق ولا يدري أنه الحق وإن لم يوافق الحق فهو قضى بغير الحق وهذان هما القاضيان اللذان في النار فالقاضي المقلد على كلا حالتيه يتقلب في نار جهنم فهو كما قال الشاعر:

خذا بطن هرشي (١) أو قفاها فإنه ... كلا جانبي هرشي لهن طريق (٢)

وكما تقول العرب في الشر خيارٌ ولقد خاب وخسر من لا ينجو [٥٧] على كل حال من النار، فيا أيها القاضي المقلد ما الذي أوقعك في هذه الورطة وألجأك إلى هذه العهدة التي صرت فيها على كل حال من أهل النار؟ إذا دمت على قضائك، ولم تتب فإن أهل المعاصي والبطالة على اختلاف أنواعهم هم أرجى لله منك وأخوف له لأنهم يقدمون على المعاصي وهم على عزم التوبة والإقلاع والرجوع وكل واحدٍ منهم يسأله الله المغفرة والتوبة ويلوم نفسه على ما فرط منه ويحب أن لا يأتيه الموت إلا بعد أن يطهر نفسه من


(١) قال الجوهري: في الصحاح (٣/ ١٠٢٧): هرشي ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة يُرى منها البحر، ولها طريقان فكل من سلكهما كان مصيبًا.
(٢) ذكره صاحب اللسان (١٥/ ٧٦).