للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أدران كل معصية، ولو دعا بأن الله يبقيه على ما هو متلبس به من البطالة والمعصية إلى الموت ليعلم هو وكل سامع إنه يدعو عليه لا له.

ولو علم أنه يبقى على ما هو عليه إلى الموت ويلقى الله وهو متلبس به لضاقت عليه الأرض بما رحبت لأنه يعلم أن هذا البقاء هو من موجبات النار بخلاف هذا القاضي المسكين فإنه ربما دعا الله في خلواته وبعد صلواته أن يديم عليه تلك النعمة ويحرسها عن الزوال ويصرف عنه كيد الكائدين وحسد الحاسدين حتى لا يقدروا على عزله ولا يتمكنوا من فصله وقد يبذل المخذول في استمراره على ذلك نفائس الأموال ويدفع الرشا والبراطيل والرغائب لمن كان له في أمره مدخلا فيجمع بين خسراني الدنيا والآخرة وتسمح نفسه بها جميعًا في حصول ذلك فيشتري بهما النار، والعلة الغائبة والمقصد الأسنى والمطلب الأبعد لهذا المغبون ليس إلا اجتماع العامة عليه وصراخهم بين يديه ولو عقل لعلم أنه لم يكن في رياسة عالية ولا في مكان رفيع ولا في مرتبة جليلة فإنه يشاركه في اجتماع هؤلاء العوام وتطاولهم إليه وتزاحمهم عليه كل من يراد إهانته إما بإقامة حد عليه أو قصاص أو تعزير فإنه يجتمع على واحد من هؤلاء مالا يجتمع على القاضي عشر معشاره بل يجتمع على أهل اللعب والمجون والسخرية وأهل الزمر والرقص والضرب بالطبل أضعاف أضعاف [٥٨] من يجتمع على ذلك القاضي، وهو إذا زهى بركوب دابة أو مشى خادم أو خادمين في ركابه فليعلم أن العبد المملوك والجندي الجاهل والمولد من أبناء اليهود والنصارى يركب دواب أفره من دابته ويمشي معه من الخدم أكثر ممن يمشي معه، وإذا كان وقوعه في هذا العمل الذي هو من أسباب النار على كل حال طلب المعاش واستدرار ما يدفع إليه من الجراية من السحت فليعلم أن أهل المهن الدنيوية كالحائك والحجّام والجّزار والإسكافي أنعم منه فهم يتلذذون بدنياهم ويتمتعون بنفوسهم ويتقلّبون في تنعّمهم هذا باعتبار الحياة الدنيا وأما باعتبار الآخرة

فخواطرهم مطمئنة لأنهم لا يخشون العقوبة بسبب من الأسباب التي هي قوام المعاش ونظام الحياة لأن مكسبهم