للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الرواية لحال من يعد له أو يجرحه؛ لأنه ينقل إلينا ما كان معلوما لديه من حال الراوي، وهذا بلا شك من الرواية لا من الرأي فلا مدخل لهذه المسألة في التقليد، وقد أوردها بعض المتأخرين بقصد التشكيك على المدعين للاجتهاد زاعما أنهم لم يخرجوا عن التقليد من هذه الحيثية، وأنت خبير بأن هذا تشكيك باطل نشأ من عدم الفرق بين الرواية والرأي، ومن هاهنا يعرف السائل عافاه الله بأن الاجتهاد متيسر لا متعذر ولا متعسر، والهداية بيد الله عز وجل وقد أوسمت هذه المسألة في مؤلفاتي بمباحث مطولة لا يتسع المقام لبسطها، وأطال وأطاب الكلام في شأنها الإمام محمد بن إبراهيم الوزير، رحمه الله، في كتابه العواصم من القواصم (١) في الذب عن سنة أبي القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليرجع إليه فإنه كتاب يكتب بماء الأحداق في صفحات الخدود والرقاق، وقد أوضحت ما يحتاج إليه المجتهد من العلوم في الكتاب الذي سميته (أدب الطلب ومنتهى الأرب) (٢) بحسب ما ظهر لي وقوي لدي، والله أعلم [٣٨].

قال كثر الله فوائده:

السؤال الثالث: فيما يتعلق بالفروع من الاختلاف المتباين الأطراف هل الشريعة الحكيمة قابلة لهذا التناقض وأنها كالبحر يغترف كل من جهته من الماء الفائض أم لا تقبل إلا قولا واحدا وليس لورادها إلا مورد ولا لروادها إلا رائد، لحديث" إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر" (٣). فمن أين لنا العلم بالمصيب وما علامته على التقريب، فإن أكثر الخلافيات معتضدة بالدليل من المخالف، وإذا ثبت عذر المخطئ فهل يعذر مقلده أم لا؟ وهل حصل بين الصحابة رضي الله عنهم في الأحكام خلاف متناقض في غير الاجتهادات؟ وهل رجع أحدهم إذا علم بالدليل؟ وإذا رجع هل يكون مقلدا أو مقتديا


(١) (٢/ ٨ - وما بعدها).
(٢) (١٩ - ١٨١) بتحقيقي.
(٣) تقدم تخريجه في الرسالة السابقة رقم (١) (ص ١٣٨).