للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه من الذم لمن عمل بالظن، وترك العلم.

وإني لأعجب بمن خفي عليه هذا حتى منع الحاكم من الحكم بعلمه، وسوغ له الحكم بظنه، وكأنه لم يتصور أن تلك الأسباب الظنية لم يجز جعلها أسبابًا لكون الظن في نفسه [٣ب] حجة شرعية يجب أتباعها، ويجوز العمل بها، بل إنما جاز جعلها كذلك لورود الشرع بكونها أسبابًا للحكم.

والحكمة في ذلك أنه لو كان المعتبر في قطع الخصومات بعلم الحاكم، وأنه لا يجوز للحاكم أن يحكم إلا بالعلم (١) لكان في ذلك أبلغ الحرج، وأعظم المشقة؛ لأن العلم قليل الحصول، بعيد الوصول.

وكان ذلك يفضي إلى ضياع كثير من الحقوق؛ لأن الظالم سيصر على ظلمه، ويدفع في وجه المظلوم، حتى يحصل للقاضي العلم بذلك الظلم، وهو لا يحصل إلا بمشاهدة، أو ما يقوم مقامها، ومن أين للقاضي مشاهدة جميع الحوادث التي يتخاصم فيها المتخاصمون إليه؟ بل من أين له مشاهدة عشر معشارها؟

ثم هب أنه قد يحصل العلم بطريق آخرى غير المشاهدة ونحوها، وذلك الخير المتواتر


(١) انظر: الأقوال وأدلتها في بداية الرسالة.